ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ عَقَلَ اعتَبَرَ بِأَمْسِهِ وَاسْتَظْهَرَ لِنَفْسِهِ

19:47 - June 10, 2025
رمز الخبر: 3500492
بيروت ـ إکنا: العاقل هو الذي لا يمرُّ على الأحداث مرور الكرام، ولا يذكرها كقصة مُسلِّية، بل يطيل الوقوف عندها، متفكراً في أسبابها، ومتدبراً في نتائجها، ومعتبراً من مواعظها، ومستلهماً منها لحاضره ومستقبله.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ عَقَلَ اعتَبَرَ بِأَمْسِهِ وَاسْتَظْهَرَ لِنَفْسِهِ".
 
معادلة تقوم على الربط بين التعقُّل وبين الاعتبار بأحداث الزمان ومجرياته، والاستعداد لما تأتي به الأيام من تطورات وأحداث، فالعاقل هو الذي يستفيد من تجارب الماضي، في نجاحاته وفي إخفاقاته، فردية كانت أم جماعية، لبناء حاضر ومستقبل أفضل.

إن حاضر الإنسان ليس منفصلا عن ماضيه، الماضي هو الأساس الذي يبتني عليه حاضر الإنسان، ومستقبله يقوم على حاضره، فالأزمنة متواصلة يؤثر بعضها ببعض، ويؤسس بعضها لبعض، ولا يمكن التفكيك بينها، أو النظر إلى بعضها منفصلاً عن البعض الآخر.

إقرأ أيضاً:

إن ماضي الإنسان والإنسانية مشحون بالأحداث، وفي كل حدث عِبرة أو عِبَر، ومن كل عِبرة يمكن بل يجب استخلاص دروس وحِكَمٍ ومواعظ مُلهِمة موحية، والعاقل هو الذي ينتفع بها انتفاعاً واعياً لحاضره ومستقبله، فيستعدّ لما يطرأ من تطورات، ويحتاط لما يحمله المستقبل من أحداث، وينظم قواه لتحسين قراراته وخياراته.

العاقل هو الذي يتسم بعقلانية في قراءة الأحداث السالفة تتيح له تقييم خطواته، ومعرفة نقاط القوة والضعف لديه، أو لدى التجربة التي خاضها الآخرون، ثُمَّ ينكبُّ على معالجة الأخطاء والثغرات، ويعمل على تطوير نقاط القوة لديه، فالتفكُّر في أحداث الماضي، واستلهام العبر منه يمنحه القدرة على التخطيط الصالح، فلا يندفع نحو أهدافه بلا تخطيط، وبلا وعي، بل يتحرك نحوها بخطوات مدروسة مستفادةً من التجارب السالفة حلوها ومُرِّها، واثقاً من نفسه، متجنِّباً التردّد والعشوائية، ثابتاً في مواجهة الضغوط، فالعقل لا ينمو إلا بالاعتبار من أحداث الماضي، والاعتبار لا فائدة له إن لم يكن مقروناً بالتقييم والتقويم والاستعداد والعمل. 

ولذلك نجد القرآن الكريم يحفل بذكر قصص الأقوام السالفة والأمم الغابرة، ويسجل لنا ما جرى عليها، وكيف واجهت الأحداث وتعاملت معها، ويذكر أسباب صعودها وهبوطها، وعوامل قوتها وضعفها، ثم يوجّهنا إلى ضرورة الاعتبار بما جرى عليها، من ذلك قوله تعالى: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴿آل عمران: 13﴾ وقوله تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ...﴿يوسف: 111﴾.
 
كذلك يوجهنا الإمام أمير المؤمنين (ع) إلى ضرورة الاعتبار بأحوال الماضين في أكثر من خطاب له، من ذلك قوله: "وَاحْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مِنَ الْمَثُلَاتِ بِسُوءِ الْأَفْعَالِ وَذَمِيمِ الْأَعْمَالِ، فَتَذَكَّرُوا فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ، وَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ، فَإِذَا تَفَكَّرْتُمْ فِي تَفَاوُتِ حَالَيْهِمْ فَالْزَمُوا كُلَّ أَمْرٍ لَزِمَتِ الْعِزَّةُ بِهِ حَالَهُمْ، وَزَاحَتِ الْأَعْدَاءُ لَهُ عَنْهُمْ، وَمُدَّتِ الْعَافِيَةُ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَانْقَادَتِ النِّعْمَةُ لَهُ مَعَهُمْ، وَوَصَلَتِ الْكَرَامَةُ عَلَيْهِ حَبْلَهُمْ، مِنَ الِاجْتِنَابِ لِلْفُرْقَةِ، وَاللُّزُومِ لِلْأُلْفَةِ، وَالتَّحَاضِّ عَلَيْهَا وَالتَّوَاصِي بِهَا، وَاجْتَنِبُوا كُلَّ أَمْرٍ كَسَرَ فِقْرَتَهُمْ وَأَوْهَنَ مُنَّتَهُمْ، مِنْ تَضَاغُنِ الْقُلُوبِ، وَتَشَاحُنِ الصُّدُورِ، وَتَدَابُرِ النُّفُوسِ، وَتَخَاذُلِ الْأَيْدِي"
 
وقوله: "فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانُوا حَيْثُ كَانَتِ الْأَمْلَاءُ مُجْتَمِعَةً، وَالْأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَةً، وَالْقُلُوبُ مُعْتَدِلَةً، وَالْأَيْدِي مُتَرَادِفَةً، وَالسُّيُوفُ مُتَنَاصِرَةً، وَالْبَصَائِرُ نَافِذَةً، وَالْعَزَائِمُ وَاحِدَةً، أَلَمْ يَكُونُوا أَرْبَاباً فِي أَقْطَارِ الْأَرَضِينَ وَمُلُوكاً عَلَى رِقَابِ الْعَالَمِينَ؟! فَانْظُرُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ فِي آخِرِ أُمُورِهِمْ حِينَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ، وَتَشَتَّتَتِ الْأُلْفَةُ، وَاخْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ وَالْأَفْئِدَةُ، تَشَعَّبُوا مُخْتَلِفِينَ، وَتَفَرَّقُوا مُتَحَارِبِينَ، وَقَدْ خَلَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِبَاسَ كَرَامَتِهِ، وَسَلَبَهُمْ غَضَارَةَ نِعْمَتِهِ، وَبَقِيَ قَصَصُ أَخْبَارِهِمْ فِيكُمْ عِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِينَ مِنْكُمْ"
 
خلاصة القول: العاقل هو الذي لا يمرُّ على الأحداث مرور الكرام، ولا يذكرها كقصة مُسلِّية، بل يطيل الوقوف عندها، متفكراً في أسبابها، ومتدبراً في نتائجها، ومعتبراً من مواعظها، ومستلهماً منها لحاضره ومستقبله.

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
captcha