ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ تَحَلَّى بِالإنْصافِ بَلَغَ مَرَاتِبَ الْأَشْرافِ

22:36 - June 11, 2025
رمز الخبر: 3500518
بيروت ـ إکنا: إن الإنصاف يحقّق الأمان الاجتماعي، ويوطِّد الثقة بين أفراد المجتمع، ويبني علاقاتهم على أساس العدل، فتتلاشى النزاعات والخصومات، وتقوى الروابط الاجتماعية، مما يوفِّر بيئة آمنة تمكن أفراد المجتمع من التنمية والتطور.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ تَحَلَّى بِالإنْصافِ بَلَغَ مَرَاتِبَ الْأَشْرافِ".
 
معادلة تربط بين التحلِّي بالإنصاف، وبلوغ أسمى مراتب الشرف والكرامة والسؤدد، والإنصاف من أسمى الفضائل وأرقاها، فهو من أجلى وأعمق مظاهر الكمال الإنساني، الذي يؤدي إلى بناء مجتمع إنساني متماسك يسوده الأمان والثقة، وينال كل فرد من أفراده حقه غير متتعتع.

إقرأ  أيضاً:

لقد عُرِّف الإنصاف بأنه: العدل في المعاملة، وذلك بألَّا يأخذ الإنسان من صاحبه من المنافع إلا ما يعطيه، ولا يُنيله من المضارِّ إلا كما يُنيله، ومنه أن ينصف المرء خالقه، فيُقِرَّ له بالألوهية والوحدانية والخالقية والرُّبوبية والحاكمية، ويُقِرَّ لنفسه بالعبوديَّة، وأن ينصف رُسُلَ الله وأنبياءه وأولياءه (صلوات الله عليهم) بالقيام بحقوقهم، وأن يُنصف المرء نفسه من نفسه، فيجلب إليها ما ينفعها، ويدفع عنها ما يضرها، ويجهد في تهذيبها وصيانتها عمّا يُسيء إليها، وأن يُنصف العباد فيحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها، ويعاملهم بِمثل ما يحب أن يعاملوه به.

نستنتج مما سبق أن الإنصاف لا يقتصر على صعيد العلاقة بين الإنسان والإنسان، بل يتسع ليشمل التالي:

أولاً: الإنصاف لله تعالى وهو الأهم على الإطلاق، إذ يعتبر المنشأ لكل إنصاف، فمن لم يُنصف الله تعالى لن ينصف سواه، إذ لا يكون من الله تعالى إلا الرحمة والرأفة واللطف والإنعام والإفضال، وله سبحانه الكمال المطلق، وليس له شريك في الألوهية والوحدانية والخالقية والربوبية والحاكمية.

ثانياً: إنصاف النفس، وللنفس الأولوية بعد إنصاف الله تعالى، ومن لا يُنصِف نفسه فلن يُنصِف غيره، إذ إن فاقد الشيء لا يعطيه، فالظالم لنفسه لن يتورَّع عن ظُلم غيره، والمتساهل في حق النفس وهي أعز ما يكون عليه متساهل بحقوق الآخرين بالضرورة.

ثالثاً: إنصاف أولياء الله تعالى أنبياءَ ورُسُلاً وأَئِمَّة وعُلماء وقادة ربّانيّين فإن لجميع هؤلاء الأبرار حقوقاً عظيمة علينا، وعلينا أن نقرِّ لهم بولايتهم ومكانتهم، وأن نشكر لهم تضحياتهم وجهودهم، ونسأل الله أن يجزيهم عنا خير الجزاء، وأن يرفع مقامهم في الدنيا وفي الآخرة.

رابعاً: إنصاف الناس من أنفسنا، بأن نعطيهم حقوقهم كاملة غير منقوصة، ونقوم بواجبنا تجاههم، ونطلب الخير لهم، وندفع الضُّرَّ عنهم، ونصون كراماتهم، أياً تكن علاقتنا معهم وقربنا أو بعدنا عنهم.

خامساً: وجوب الإنصاف في القضاء، وهذا أ كثر ما يرجوه الناس، فعلى الحاكم أو القاضي أن ينصِف المتقاضيين، وألا يحابي أحداً منهما، ولا يظلم أحداً، بل يساوي بينهما حتى في النظرة، والكلام، وإعطاء كل واحد منهما الوقت الكافي لبيان حجَّته، والدفاع عن نفسه، وأن يعتمد البيِّنة والدليل القاطع في حكمه. 

ومِمّا لا شكَّ فيه أن الإنصاف يحقّق الأمان الاجتماعي، ويوطِّد الثقة بين أفراد المجتمع، ويبني علاقاتهم على أساس العدل، فتتلاشى النزاعات والخصومات، وتقوى الروابط الاجتماعية، مما يوفِّر بيئة آمنة تمكن أفراد المجتمع من التنمية والتطور.

إن الإنصاف حِليَة تُزّيِّن المرء، وجمال يسبغ عليه مهابة وجلالاً، ويقدِّمه للناس شخصاً شريفاً نزيهاً، يحترم ذاته، ويحترم الآخرين، فالإنصاف لا يسمو بأخلاق المرء وحسب، بل يرتقي بمقامه بين الناس ويضمن له مكانة سامية عندهم وعند الله تعالى.  
 
بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
captcha