ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ خافَ رَبَّهُ كَفَّ ظُلْمَهُ

22:34 - October 03, 2025
رمز الخبر: 3501859
بيروت ـ إکنا: قد ذكر الله تعالى الخوف منه كعامل يدعو إلى الطاعة واجتناب المعصية والظلم، والمؤكَّد أن هذا النوع من الخوف من الله يأتي ممتزجاً بالخشية والمَهابة بين يدي الله تعالى، هذا الخوف هذا ليس رُعباً ولا فزعاً من الله، بل هو إدراك لعظمة الله وجلاله.

وروِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ خافَ رَبَّهُ كَفَّ ظُلْمَهُ".
 
حتمية لا تقبل الجدل، تربط بين الخوف الحقيقي من الله، وبين الكفِّ عن الظلم والعُدوان، ولكي تتضح لنا هذه الحتمية لا بد من معرفة خوف الله تعالى، ومعنى الظلم.

أما الخوف لغة: فهو الذُّعر والفزع، وهو نقيض الأمن، يقال: خاف الشيءَ يخافه خَوْفاً ومَخافةً: فَزِعَ منه وتوجَّس. والخيفة: ما يُتَخَوَّف منه. ومِمّا لا شكَّ فيه أن الخوف فزع يبعث على الحَذَر والتَّوَقِّي، وهذا ما نراه في كل ذي روح من إنسان وحيوان.

إقرأ أيضاً:

وأما الظلم لغة: فهو وضع الشيء في غير موضعه المختص به إمّا بنقصان أو بزيادة، وإمّا بعدول عن وقته أو مكانه. وهو أعم من ظلم الآخرين والتَّعَدّي عليهم، حيث يعم كل انحراف عما يجب أن يكون المرء عليه، سواء في المعاملة مع النفس، أو مع الغير، أو مع الله، ولذلك وصف الله الشرك، والذنب والمعصية، والتعدِّي على الآخرين بمنعهم حقوقهم أو إضلالهم، بأنه ظلم، قال تعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴿لُقمان: 13﴾.
 
والخوف -قارئي الكريم- نوعان: خوف سلبي مذموم، وخوف إيجابي محمود.

فأما الخوف السلبي المذموم: فهو الخوف الذي يملأ قلب الانسان بالاضطراب، ويشلُّ قدرته، ويدفعه إلى اليأس والقنوط، ويُقعِدُه عن العمل، ونماذج هذا النوع كثيرة ومؤسفة، فمن الناس من يخاف الفقر، ومنهم من يخاف المرض، ومنهم من يخاف الموت، وهؤلاء يعيشون حياتهم قلقين متوترين، ومنهم من يخاف الفشل فيمنعه ذلك من الإقدام على أي عمل، ومنهم من يخاف الخسارة فتراه متردداً دائماً لا يقوى على اتخاذ قرار، إن هذا النوع من الخوف يدمِّر طاقات الإنسان، ويحيله شخصاً شديد السلبية، ويحيل حياته إلى جحيم لا يُطاق. 
 
أما الخوف الإيجابي المحمود: فهو الخوف الذي يمنع الإنسان من مخالفة الله، وارتكاب المعاصي، والتعدّي على الخلق، ويدعوه إلى الاستقامة، والعمل الصالح، والوعي، وتحمُّل المسؤولية، وتجنُّب الانحراف، ويدفعه إلى الاحتراز مِمّا يضُرُّه، لذلك يتجنَّب الإنسان الطعام المسموم، أو الذي يتوقَّع منه الضرر، ويتجنَب الإمساك بالسِّلك الكهربائي ليقينه بالخطر المتأتي منه على حياته، وهكذا الأمر عند الشخص الذي يخاف الفشل في عمله فإن خوفه يدفعه إلى إجادة عمله وإتقانه، والطالب الذي يخاف الرسوب يدفعه خوفه إلى الاجتهاد في دراسته، والمؤمن الذي يخاف الآثار الخطيرة التي تنتج عن الذنب والمعصية يدفعه ذلك إلى اجتنابهما.
 
وقد ذكر الله تعالى الخوف منه كعامل يدعو إلى الطاعة واجتناب المعصية والظلم، قال سبحانه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴿27﴾ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴿28﴾ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴿المائدة:29﴾.
 
وقال تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴿7﴾ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴿8﴾ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴿9﴾ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴿الإنسان:10﴾.
 
والمؤكَّد أن هذا النوع من الخوف من الله يأتي ممتزجاً بالخشية والمَهابة بين يدي الله تعالى، هذا الخوف هذا ليس رُعباً ولا فزعاً من الله، بل هو إدراك لعظمة الله وجلاله، وشعور دائم أنه في محضره تعالى، ومن يكن هذا حاله تقل، بل تنعدم عنده دوافع المعصية والظلم والطغيان، وتتضاءل عنده نوازع الأنا والهوى، فيكفُّ يده عمّا لا يرضاه الله تعالى.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية  السيد بلال وهبي
captcha