ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ بَلَّغَكَ شَتْمَكَ فَقَدْ شَتَمَكَ

23:55 - October 04, 2025
رمز الخبر: 3501878
بيروت ـ إکنا: إن إصلاح ذات البَين  وتمتين أواصر العلاقة، وإزالة أسباب الخلاف والشقاق والفُرقة بين المؤمنين، بل بينهم وبين سواهم من الناس، من أولى أولويات الدين، حتى أن الإسلام يعتبر ذلك من أفضل أنواع العبادة لله تعالى.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ بَلَّغَكَ شَتْمَكَ فَقَدْ شَتَمَكَ".
 
معادلة مهمَّة مُلهِمة، تُعلِّمنا درساً مهماً في التعامل مع الذي ينقل شتائم الناس وسبابهم لنا، فالذي يفعل ذلك فإنه يشتمنا كذلك من حيث لا يدري، ويسيء إلينا كما أساء الشاتم، ويتسبب لنا بما تسبب المنقول عنه من ألم نفسي، إذ يصيبنا بذات السهم الذي أطلقه الشاتم، فالشتم في ذاته سهمٌ مسموم يخرج من قلبٍ حقود ونفس لئيمة، فإذا وُجِّه مباشرةً إلينا، كان أذاه محدوداً بيننا وبين الشاتم لنا، لكن حين ينقله شخص ثالث إلينا فهو وإن كان يظن أنه يقوم بذلك بدافع الحُب لنا، لكنه يعيد إحياء الشتيمة ويكرر الإساءة، فيعيد فتح الجرح الذي كان قد برأ أو كاد أن يبرأ، مِمّا يضاعف الأثر النفسي، فيكون قد ارتكب نفس الشتيمة، ولو من غير قصد.

مِمّا لا شكَّ فيه أن الإمام (ع) لم يقل قوله هذا كتحذير أخلاقي وحسب، بل يهدف من وراء ذلك إلى تربيتنا على أن نكون (محضر خير) كما يقال، ألّا ننقل ما نسمع ونرى، درئاً للمخاطر المتأتية من ذلك، فلو شتم شخص شخصاً ولم يعرف المشتوم لهان الأمر وتم تجاوزه بأقل كُلفة، أما إذا نُقِلت الشتيمة إلى المشتوم فلا تُؤمَن ردة فعله، وقد تكون قاسية، مِمّا يتسبب بنشوب نزاع قد يتطوَّر ويدوم، فيكون الناقل قد أضرم ناراً قد يصعُب إطفاؤها.
 
وعليه: فإن المجتمع لا تفسده الشتيمة وحسب، بل يساهم في ذلك ناقلها ومذيعها، لأنه يحوِّل الواقعة الفردية إلى فتنة جماعية، ولهذا نجد الإمام (ع) ينبهنا إلى ضرورة درء الفتنة من أساسها بمنع أسبابها، ومن أسبابها ما يقوم به الطرف الثالث من نقل بين هذا وذاك، فإنه يؤسس لفتنة من حيث يدري أو لا يدري.
 
وإذا كان الإمام (ع) يحذِّرنا من التأسيس للخلاف بل للفتنة بين الشاتم والمشتوم فإنه كذلك يريدنا أن نكون رُسُل سلام بين الناس، ودعاة صلاح وإصلاح، وسبباً للتأليف بين القلوب المتنافرة، أن نكون بنَّائين لا هَدَّامين، مُصلِحين لا مُخَرِّبين، صلة وصل لا سبباً للتنافر والعداوة والفصل، وهذه هي دعوة القرآن الكريم للمؤمنين في كل زمان ومكان، حيث يقول تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴿الأنفال:1﴾ .

إن إصلاح ذات البَين  وتمتين أواصر العلاقة، وإزالة أسباب الخلاف والشقاق والفُرقة بين المؤمنين، بل بينهم وبين سواهم من الناس، من أولى أولويات الدين، حتى أن الإسلام يعتبر ذلك من أفضل أنواع العبادة لله تعالى، فهذا الإمام أمير المؤمنين (ع) يوصي الإمامين الحَسَن والحُسَين (ع) بوصية طويلة جاء فيها: "إنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُما رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِصْلاحُ ذاتِ البَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عامَّةِ الصَّلاةِ وَالصِّيامِ".

ورُوِيَ عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "صَدَقَةٌ يُحِبُّهَا اللهُ: إِصْلاحٌ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا تَفَاسَدُوا، وَتَقَارُبٌ بَيْنَهُمْ إِذَا تَبَاعَدُوا".
 
وكما لا يجوز لمن سَمِع شتيمة من شخص أن ينقلها إلى المشتوم، كذلك ينبغي على وسائل الإعلام أن تتجنب نقل الشتائم والسباب بين السياسيين، بل يجب على الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي أن يتجنبَّوا ذلك كي لا يكونوا دعاة فتنة، فإن إعادة تغريدة، أو إعادة نشر منشور فيه سباب وشتائم يجعل فاعل ذلك مساهماً في الدعوة إلى الفتنة.  

لذا، يجب أن يلتزم كل واحد منا بقاعدة "ليس كل ما يُعرَف يُقال، وليس كل ما يُسمَع ينقَل"، وبدلاً من أن ننقل إلى الطرف الثاني ما قيل فيه، فلننقل له كلاماً إيجابياً وإن لم يكن قد قاله الطرف الأول، فإن ذلك من دواعي الإصلاح بين الشخصين.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha