ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ طالَتْ غَفْلَتُهُ تَعَجَّلَتْ هَلَكَتُهُ

23:59 - September 29, 2025
رمز الخبر: 3501816
بيروت ـ إکنا: إنّ الغَفلة تؤدي إلى الهلاك، وكلما طالت كان الهلاك أسرع وأعظم، هذه هي المعادلة التي يذكرها الإمام أمير المؤمنين (ع)، وهي معادلة واقعية تشهد لها التجربة الإنسانية الممتدة والمتواصلة.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ طالَتْ غَفْلَتُهُ تَعَجَّلَتْ هَلَكَتُهُ".

والغَفلة تؤدي إلى الهلاك، وكلما طالت كان الهلاك أسرع وأعظم، هذه هي المعادلة التي يذكرها الإمام أمير المؤمنين (ع)، وهي معادلة واقعية تشهد لها التجربة الإنسانية الممتدة والمتواصلة.

إقرأ أيضاً:

الغفلة لغة: غَيبَةُ الشَّيءِ عن بالِ الإِنسانِ وعدمُ تَذَكُّرِهِ لهُ، وأَصلُ الغَفلَةِ: تَركُ الشَّيْءِ سَهْواً. وتُطْلَقُ الغَفْلَةُ على مَن تَرَكَ الشَّيءَ إِهمالاً وإِعراضاً، وتأْتي بِـمعنى: عَدَم الفِطْنَةِ وقِلَّةُ التَّجْرِبَةِ.
 
ومِمّا لا شك فيه أن المراد من الغفلة في قول الإمام (ع) المعنيان الأخيران لها، فهي تعني في جوهرها الحقيقي موت وعي الإنسان، وانقطاعه عما يحدث في حياته الخاصَّة والعامة، وغفلته عمّا يجب عليه، وعمّا هو مُقبل عليه، فالغافل يعيش لحظته الراهنة دون وعي ودون بصيرة، تلهيه ظواهرها وينسى عواقبها، فإذا طالت وامتدَّت تحوَّلت من حالة مؤقتة عابِرة إلى سَجِيَّة قاتلة تُفقِدُ العقل يقظته وفِطنَته، فيصير مصداقاً واضحاً لقوله تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴿الحشر:19﴾.

وهذه حالة عجيبة، عجيبة حقاً، ولكنها حقيقة لا تُنكَر، فالذي ينسى الله يهيم في هذه الحياة بلا رابطة تشده إلى أفق أعلى، وبلا هدف لهذه الحياة يرفعه عن البهيمة السائمة التي ترعى، وفي هذا نسيان لإنسانيته، وهذه الحقيقة تنشأ عنها حقيقة أخرى أعجب من الأولى، وهي نسيان الإنسان لنفسه فلا يدَّخر لها زاداً للحياة الطويلة الباقية، ولا ينظر فيما قدّم لها في قادم أيامه من رصيد، فالغفلة المستمرة، تفصل الإنسان عن ذاته، فيفقد إدراكه لقيمته وغاية وجوده.
 
والغفلة تطمس بصيرة الإنسان عن التمييز بين الحق والباطل، والغافل يظن أنه بخير وهو في غمار المعاصي، ويلهيه زخرف الدنيا عن إصلاح نفسه، والغافل عن مصالحه يخسرها ويفشل في الحفاظ عليها، والغافل عن عدوه يفاجئه عدوه بمكره وكيده، وينال منه، ويأخذه على غفلة من أمره، وقد حذَّر الله المؤمنين من ذلك حيث قال: وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ﴿النساء:102﴾.
 
وإن التاريخ ليشهد على أن أعظم الهزائم إنما نشأت من طول غفلة الأمم، غفلتها عن الحق، وغفلتها عن قيمها الأصيلة، وغفلتها عن واجبها في مواجهة الظلم، وغفلتها عن الاستعداد والإعداد، وغفلتها عن مكائد العدو، وغفلتها عن تطوّرات الأحداث، وغفلتها عن مواكبة التطور العلمي والمعرفي والتقني.
 
ولذلك نجد الروايات تحذِّر من الغفلة تحذيراً شديداً، إذ تعتبرها أضرَّ أعداء الإنسان، وأنها شيمة الحمقى، وضلال النفوس، وعنوان النحوس، وتُكسِب الاغترار، وتُدني من البَوار، وأن عدم الغفلة من دلائل الدولة والقدرة والمِنعَة، وأن الإنسان إذا لازمته الغفلة تَعَجَّل هلاكه، كما جاء في قول الإمام أمير المؤمنين (ع).

ولا يراد بالهلاك الموت، وإن كان واحداً من مصاديقه، بل هو الوقوع في المهالك والمضائق والأزمات والمصائب، فالغافل يهلك بجهله، ويهلك بذنبه، ويهلك بخسارة الفرص، حتى إذا جاء الموتُ لم يجد في صحيفته إلا خواءً وسراباً، وقد حذّر القرآن الكريم من هذا المصير البئيس التعيس بقوله: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴿الأنبياء:1﴾ وذلك يعني أن الهلاك ليس بالضرورة أن يتسبب عن عوامل خارجية، بل غالباً ما ينشأ عن الغفلة وعدم اليقظة. 

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha