
الرَّعِيَّةُ: كل من كان في كفالةِ راعٍ يقوم عليهم ويَسُوسُ أُمورهم، وجمعها رعايا، والرَّاعي: هو القائم على شؤون رعيته، وتشمل كل من هو في ذمة راعٍ: سواء راعي دولة، أو أسرة، أو مسؤولية صغيرة أو كبيرة.
قال
الرسول الأعظم (ص): "كُلُّكُمْ راعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
إن هذا الحديث الشريف يقرر مبدأً شاملاً في غاية الأهمية، وهو: أن المسؤولية ليست حِكراً على أحدٍ دون سواه، فكل إنسان أُوكِل إليه تدبيرُ شأنٍ للآخرين فهو راعٍ: الإمام -والمقصود به هنا الحاكم الواجب الطاعة- مسؤول عن رعيته، والرجل بما له من قوامة على زوجه، وولاية على أبنائه مسؤول عن رعايتهم، والمرأة في بيت زوجها باعتبارها مدبِّرة له وراعية لأبنائها مسؤولة تجاه زوجها وتجاههم، والخادم وهو يعم الموظف والعامل في مال سَيِّده، ومالك مؤسسته، مسؤول عن القيام بواجبه، ورعاية ما وُكِّل برعايته.
والرعاية لا تعني الحفظ وحسب، بل القيام بكل ما يلزم القيام به من واجبات، كالتعليم، والتربية، وتوفير ما يمكن من حاجاتهم الضرورية، والعدل فيهم، والرحمة لهم، والإحسان إليهم.
في قول الإمام أمير المؤمنين (ع): "مَنْ أَساءَ إِلى رَعِيَّتِه سَرَّ حُسّادَهُ" نجد تطبيقاً عملياً لما جاء في حديث رسول الله (ص)، من وجوب حفظ الرعية، والاهتمام بشؤونها والرحمة بها، والإحسان إليها، مِمّا يجعلها مستقرة، منسجمة، آمنة، مَنيعة، قوية، مُقتدرة، فإذا قصَّر في واجباته تجاهها، أخَلَّ بمسؤوليته أمام الله تعالى، وأمامها، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إنه يخلخل بناء الرعية وكيانها، ويتسبب بالضَّعف والهَوان لها، ويفتح ثغرة لأعدائه ينفذون منها إليها، مِمّا يعني أن إساءة الحاكم إلى رعيته تؤدي إلى مخاطر عظيمة تحيق بالرعية كلها، وهذا ما قرأناه في التاريخ ونراه الآن ماثلاً أمام أعيننا، فكل الحُكَّام الذين أساؤوا إلى رعيتهم، وعاملوها بالظلم والجَور أوجدوا لأعدائهم ثغرات واسعة نفذوا منها إلى رعيتهم، فاستمالوها وغرُّوها، ومَنَّوها بأمنيات كاذبة وأحلام وردية موهومة، فعاثوا فساداً بها وبالبلاد.
الراعي في الرؤية الإسلامية يجب أن يكون أميناً على مصالح رعيِّته، حريصاً على مختلف شؤونها، ضامناً لكرامتها، فإذا أساء إليها فقد خان أمانة الله وأمانة الرَّعِيِّة، وقطع ما بينه وبينهما، وأوجد خَلَلاً في دولته يصعُب أن يُعالَج، وضعفاً في بنيانها يؤدِّي إلى انهيارها، وزرع في النفوس الإحَن والضغائن والأحقاد، وهذا ما يتمنَّاه الأعداء، فإنه يحقِّق لهم ما يرغبون به دون جهد منهم، ودون كُلفة، فالعدو لا يحتاج إلى أن يشن حرباً يُزهِق فيها أرواح جنوده، ما دام الاضطراب السياسي والاجتماعي الذي أوجده الحاكم يحقِّق له ذلك.
نستنتج مِمّا سبق: أن أقصر وأسهل طريق لاضطراب الرعية، وضعف الدولة وسقوطها أن يُسيء الحاكم إليها، وإساءته إليها ترتد عليه وعليهما، ولا سبيل لاستقرار الرعية والدولة إلا بالإحسان إليهما من قبل الحاكم، فذلك من أقوى أسباب البقاء، وأقوى الدروع ضد الأعداء الذين يتربّصون به وبهما شراً.
بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي