ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ حَسُنَتْ كِفايَتُهُ أَحَبَّهُ سُلْطانُهُ

23:30 - October 23, 2025
رمز الخبر: 3502134
بيروت ـ إکنا: إنّ حُسن الأداء يؤدّي إلى الثقة، والثقة تثمر القرب والمحبوبية، فالرئيس بما هو إنسان ينجذب إلى المخلص المتفاني والقادر الماهر، وبما هو رئيسٌ يبحث عن المرؤوس الذي يعينه على تحقيق أهدافه ويجنّبه الفشل، والمرؤوس الكفوء يمثّل له ذلك السند والمعين.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ حَسُنَتْ كِفايَتُهُ أَحَبَّهُ سُلْطانُهُ".
 
في هذه الجوهرة الكريمة، يكشف الإمام أمير المؤمنين (ع) عن معادلةٍ مهمّةٍ في عالم الإدارة، تتعلّق بعلاقة المرؤوس بالرئيس، وهي علاقةٌ ينبغي أن تتجاوز البعدَ الوظيفيَّ البحت إلى علاقةٍ قائمةٍ على المحبّة والمودّة، مما يجعلها أعمقَ وأقوى صلةً، وينتج عنها انتماءٌ راسخٌ وولاءٌ متينٌ بين الطرفين، بما لذلك من أثرٍ بالغٍ في انتظام الأمور وسلاستها، وأدائها بعشقٍ وتفانٍ.

تقوم هذه المعادلة على الربط بين كفاءة (أو كفاية) المرؤوس وبراعته المهنيّة، وإخلاصه وتفانيه، وبين محبّة رئيسه أو قائده، أو مديره، أو معلّمه له، وثقته به، واعتماده عليه. ذلك أنّ علاقة المرؤوس بالرئيس، أو بكلّ من له سلطةٌ عليه، لا تقوم بالضرورة على الولاء الأعمى، ولا على التزلّف والتملّق والنفاق، بل على ما يُتقنه من مهاراتٍ، وما يمتاز به من جودةٍ في الرأي والعمل، وصدقٍ في التعامل، وأمانةٍ ووفاءٍ وإخلاصٍ ونُصح. والرئيس -مهما كان طبعه- يأنس إلى من يُغنيه عن الاضطراب في العمل، ويحبّ المخلص الوفيّ، والقادر الماهر، والكفوء المُجِدّ. فالمحبوبية هنا ليست عاطفيةً محضة، بل هي نتيجةٌ منطقية لما يتمتّع به المرؤوس من مهاراتٍ وصفاتٍ وسجايا سامية. والكفاية والكفاءة لا تقتصران على براعة المرؤوس ومهنيّته، بل هما مزيجٌ من القدرة والإخلاص، وحسن التدبير والانضباط الوظيفي، والوفاء وصدق النيّة، والفاعلية الأخلاقية.
 
إنّ حُسن الأداء يؤدّي إلى الثقة، والثقة تثمر القرب والمحبوبية، فالرئيس —بما هو إنسان— ينجذب إلى المخلص المتفاني والقادر الماهر، وبما هو رئيسٌ يبحث عن المرؤوس الذي يعينه على تحقيق أهدافه ويجنّبه الفشل، والمرؤوس الكفوء يمثّل له ذلك السند والمعين.
 
ولا بدّ من التنبيه إلى أنّ الإمام (ع) حين يذكر "السلطان"، لا ينبغي أن يتبادر إلى الذهن أنّه يعني الحاكم السياسيَّ وحده، وإن كانت هذه الصورة داخلةً في المعنى؛ فـ"السلطان" في جوهره هو كلّ سلطةٍ تُمارَس على غيرها، صغيرةً كانت أم كبيرة.
ففي ميدان العمل: المديرُ سلطانٌ على موظّفيه، وربّ العمل سلطانٌ على عمّاله، وما أكثر ما يحتاج هؤلاء إلى من يُنجز لهم الأعمال بحُسن كفايةٍ فيطمئنّون إليه؛ فالموظّف الكفوء محبوبٌ عند رئيسه، لأنّه يوفّر عليه العناء ويمنحه الثقة في نجاح المؤسسة.
 
وفي فضاء العلم والتربية: المعلّم سلطانٌ في صفّه، والأستاذ سلطانٌ في جامعته، والطالب الكفوء الذي يتقن درسه ويُحسن التفاعل مع معلّمه، سرعان ما ينعقد له في قلب معلّمه تقديرٌ ومحبة.
 
وفي محيط الأسرة: الأب أو الأمّ سلطانان في بيتهما، والأبناء أو البنات الذين يُحسنون القيام بمسؤولياتهم، ويُظهرون كفايةً في تدبير شؤونهم، ويبرّون والديهم، يولِّدون في قلبيهما حبًّا ورضًى مضاعفًا.
 
وحتى في العلاقات الاجتماعية، نجد الناس يميلون إلى المقتدر الكفوء، وينجذبون إلى المخلص الوفيّ، ويثقون بالحاذق الماهر.
 
لذلك، يصبح من الضروريّ لكلّ مرؤوسٍ يطمح إلى رضا رئيسه أن يتجنّب التملّق والتزلّف، ويحرص بنفسه على تنمية مهاراته، وزيادة كفاءته، وإتقان عمله، والالتزام بالقوانين والمقرّرات المرعيّة الإجراء، والإخلاص لمن يعمل معهم وتحت أمرتهم.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha