ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ كَتَمَ الْأَطِبّاءَ مَرَضَهُ فَقَدْ خانَ بَدَنَهُ

22:18 - November 15, 2025
رمز الخبر: 3502439
بیروت ـ إکنا: ما اهتمَّ الإسلام بشيءٍ كاهتمامه بالإنسان، بدناً وروحاً؛ فالدين كلّه ذو غايةٍ واحدةٍ لا ثانية لها، وهي حفظُ الإنسان وخدمتُه. وكلّ أمرٍ خارج الإنسان يهتمّ به الدين إنما هو ناشئٌ من اهتمامه بالإنسان نفسه؛ لأنّ كلَّ ما سوى الإنسان مُسخَّرٌ له كما نصَّ القرآن الكريم.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ كَتَمَ الْأَطِبّاءَ مَرَضَهُ فَقَدْ خانَ بَدَنَهُ".
 
ما اهتمَّ الإسلام بشيءٍ كاهتمامه بالإنسان، بدنًا وروحًا؛ فالدين كلّه ذو غايةٍ واحدةٍ لا ثانية لها، وهي حفظُ الإنسان وخدمتُه. وكلّ أمرٍ خارج الإنسان يهتمّ به الدين إنما هو ناشئٌ من اهتمامه بالإنسان نفسه؛ لأنّ كلَّ ما سوى الإنسان مُسخَّرٌ له كما نصَّ القرآن الكريم.
 
لقد خلق الله الإنسانَ في أحسن تقويم، وجعل جسدَه نعمةً عظيمة وآلةً للروح، ووسيلةً لعبادة الله وعمارة الأرض. ومن هنا كان الاهتمام بالبدن ومعالجةُ أمراضه ليس مجرد خيارٍ صحي، بل واجبًا شرعيًّا وقُربةً يتقرَّب بها العبد إلى ربّه، وهو جزءٌ من تحقيق أهداف الدين الذي يعلّي من قيمة حفظ النفس والبدن.

إنّ حفظ البدن والحرص على سلامته يحتلّان المرتبةَ الأولى في أولويات المسلم، تليهما مرتبةُ حفظ الدين؛ لأنّ الدين — كما أسلفنا — خادمٌ للإنسان، وشريعتُه قائمةٌ على المعادلة الآتية: إذا تعارض الالتزامُ بالحكم الشرعي مع مصلحةِ البدن الأكيدة، فإنّ مصلحة البدن مقدَّمةٌ على الحكم الشرعي. ولهذا أمثلةٌ لا تُحصى في الشريعة الإسلامية السمحاء: فالصلاة يجب فيها القيام (الوقوف على القدمين)، فإذا عجز المصلّي عن القيام لم تَسقُط الصلاةُ، بل يسقط وجوبُ القيام.

والصومُ واجبٌ على المسلم في شهر رمضان، فإذا كان مريضًا مرضًا لا يقدر معه على الصيام سقط الوجوب عنه. وأكلُ لحم الميتة حرام، فإذا دار الأمر بين أكل المكلَّف لحمَ الميتة وبين الهلاك، جاز له أن يأكل بقدر الضرورة، بلا تردّد. وهكذا سائر الأمثلة الكثيرة. قال تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿النحل:115﴾.
 
ومعلومٌ بالضرورة أنّ حفظَ النفس لا يتحقّق إلا بالمحافظة على صحة البدن وسلامته، فالبدن السليم هو الأقدر على أداء ما يجب على الإنسان من مسؤوليات تجاه الحياة، أو واجباتٍ تجاه نفسه وآخرته من أداء الفرائض والعبادات على أكمل وجه. فالمريض الذي يُتعبه المرض يعجز — بلا شك — عن أداء واجباته المختلفة: يعجز عن السعي إلى رزقه، والقيام بوظائفه في عمارة الأرض، واستثمار ثرواتها، والانتفاع ببركاتها، ويعجز عن القيام بوظائفه الروحية العبادية من صلاةٍ وصيامٍ وغيرهما.
 
وفي هذا السياق يأتي قول الإمام أمير المؤمنين (ع) "مَنْ كَتَمَ الْأَطِبّاءَ مَرَضَهُ فَقَدْ خانَ بَدَنَهُ" ليعيد تعريف علاقة الإنسان ببدنه، ويضعها في إطار المسؤولية الشرعية والأخلاقية؛ فالبدن كائنٌ له حقٌّ على صاحبه: أن يصونه من كلّ ما يؤذيه، ويتعهده بالرعاية المستمرة، ويغذّيه بالعناصر الضرورية، ويعالج ما يصيبه من أمراض. فإذا قصّر المرء في هذه الواجبات كان آثمًا شرعًا وخائنًا لبدنه. ومن مصاديق هذا التقصير أن ينكر الإنسان مرضَه، أو يتهاونَ في علاج ما يعرض له، أو يكتم مرضه عن الأطباء.
 
فبعض الناس يهملون مراجعة الطبيب بدافع الحياء من الإفصاح عن مرض يَعُدّونه مُحرِجًا، ويغفلون عن أنّ الحياء هنا ليس فضيلة، بل جنايةٌ على البدن، إذ يحوِّل العارض البسيط إلى داءٍ مزمنٍ يصعب علاجه.
 
وبعضٌ آخر يتوهّم أنّ الاعتراف بالمرض ضعفٌ في الإرادة؛ فيكتم مرضَه ويُضلّل الطبيب، ظنًّا منه أنّه يُثبت صلابته وقوّته. لكنه في الحقيقة يمارس نوعًا من الكبرياء الجاهل الذي يؤدي إلى استفحال المرض وانتهائه إلى الموت.
 
فالذي يكتم مرضه لا يُخفي الألم عن الطبيب، بل يُخفي الحقيقة عن نفسه. يظنّ أنه يحمي بدنه، وهو في الحقيقة يقتله لحظةً بعد أخرى، ويغفل أو يتغافل عن أنّ البدن أمانةٌ لا يملكها، بل هو مؤتمنٌ عليها، ومن خان الأمانة فقد خان الله تعالى.
 
وإذا توسّعنا في معنى قول الإمام (ع): "مَنْ كَتَمَ الْأَطِبّاءَ مَرَضَهُ فَقَدْ خانَ بَدَنَهُ" رأينا أنّ الجماعات والأمم التي تُخفي أمراضها الاجتماعية -من فسادٍ أو ظلمٍ أو فقرٍ أو جهل- إنما تمارس خيانةً جماعية لذاتها؛ فالصمت عن العِلَل لا يشفيها، بل يعمّقها. وكما يهلك البدن بكتمان أوجاعه، يهلك المجتمع بكتمان آلامه.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha