ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ سَألَ ما لا يَسْتَحِقُّ قُوبِلَ بِالْحِرْمانِ

19:40 - November 12, 2025
رمز الخبر: 3502407
بيروت ـ إکنا: إنّ الذي يريد أن يحصل على كلّ ما يرغب فيه، حتى وإن لم يكن مستحقّاً له، يعيش حياةً قلقةً متوتّرة، غيرَ راضٍ عن الله ولا عن الناس، بل قد يتّهم اللهَ تعالى بأنّه يظلمه ويحرمه ممّا أعطى غيرَه، وقد يدفعه ذلك إلى اليأس، وربّما يحمله اليأسُ على ما لا تُحمَد عُقباه.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ سَألَ ما لا يَسْتَحِقُّ قُوبِلَ بِالْحِرْمانِ".
 
هذه معادلةٌ أخرى من المعادلات التي يقرِّرها الإمامُ أميرُ المؤمنين (ع)، والتي تحكم حركةَ الإنسان في الحياة. وهي معادلةٌ تقوم على شرطٍ وجزاءِ شرط؛ فأمّا الشرطُ فهو أن يسألَ الإنسانُ ما لا يستحق، وأمّا جزاءُ الشرطِ فأن لا يحصل على ما يسأل ويريد، بل أن يُقابَل بالحرمان.
 
ولا يُراد بالسؤال هنا الطلبُ اللفظيّ فحسب، وإنْ كان أحدَ مصاديقه، كأن يسألَ الآخرين استفساراً عن أمرٍ من الأمور، أو يسألهم أن يعطوه مالاً أو طعاماً، بل يُراد به كلُّ سلوكٍ أو رغبةٍ فيما لا يستحقّه الإنسانُ أو لا يناسبه. كأن يطلبَ منصباً سياسياً أو إدارياً وهو لا يملك المؤهِّلاتِ التي تُؤهِّله لذلك، أو يطلبَ من الناس أن يعاملوه معاملةَ العالِم الخبير النحرير وهو لا يملك شيئاً من العلم، أو يطلبَ منهم أن يُثنوا عليه ويمدحوه وهو لم يفعل شيئاً يستحقّ المدحَ والثناء.

وأبرز نموذج من هذا الصنف الرئيسُ الذي نُعاصِره، والذي يَرأس أقوى دولةٍ في العالم اليوم، لديه رغباتٌ لا حدَّ لها، ويريد من العالم كلِّه أن يُقدِّمها له بالمجّان، بل يطالب بأن تُمنَح له جائزةُ نوبل للسلام، رغم أنّه يُساند الحروبَ ويشارك فيها، ويدافع عمّا يُرتكَب فيها من جرائمَ وفظائع.
 
إنّ الذي يطلب ما لا يستحقّ يتوهَّم أنّه يستحقّه، ويرى نفسَه أهلاً لما لا يملك أسبابه ومؤهّلاته، فيطلب من الله ومن عباد الله أن يُعطَوه ذلك ولو كان على تلك الحال. فهو في الحقيقة يدعو إلى الظلم، لأنّ مطالبتَه بما لا يستحقّ تجاوزٌ لحدِّ العدل. ومن الطبيعيّ ألا يُجاب طلبُه، وأن يكون الحرمانُ هو الجوابَ الطبيعيَّ له.
 
فالكونُ بأسره قائمٌ على نظامِ الاستحقاق، لا يُعطي جزافاً، ولا يمنع عبثاً، بل يسير وفق مبدأ السببِ والنتيجة؛ فكما لا يُثمِر الزرعُ بلا حرثٍ وسقي، كذلك لا يُعطَى الإنسانُ ما لم يُعِدَّ له أسبابَ العطاء.
 
وعليه، فحرمانُ مَن لا يستحقّ ليس عقوبةً اعتباطيّة، بل نتيجةٌ موضوعيّة لعدم استحقاقه، إمّا بسبب عدم سعيه، أو لعدم امتلاكه المؤهّلاتِ والمهاراتِ والصفاتِ التي يحتاجها كي يستحقَّ ما يطلب.
 
إنّ الذي يريد أن يحصل على كلّ ما يرغب فيه، حتى وإن لم يكن مستحقّاً له، يعيش حياةً قلقةً متوتّرة، غيرَ راضٍ عن الله ولا عن الناس، بل قد يتّهم اللهَ تعالى بأنّه يظلمه ويحرمه ممّا أعطى غيرَه، وقد يدفعه ذلك إلى اليأس، وربّما يحمله اليأسُ على ما لا تُحمَد عُقباه.
 
هذا إذا اقتصر الأمرُ على الفرد الواحد، ولكن لو توسّع هذا الخللُ ليشمل المجتمعَ كلَّه، بحيث صار معظمُ أفراده يسألون ما لا يستحقّون، ويطلبون مناصبَ لا كفاءةَ لهم فيها، أو مكاسبَ لا عملَ لهم وراءها، فسيؤدّي ذلك إلى اختلالٍ في موازين العدالة الاجتماعيّة، وانعدامِ معايير الجدارةِ والأهليّةِ والاستحقاق، وهو أمرٌ نشهده في كثيرٍ من بلداننا العربيّة.
 
من هنا يأتي الحرمانُ ليوقظ هذا الصنفَ من الناس، وليحمِّلهم مسؤوليّةَ السعي وامتلاكَ المؤهِّلاتِ لكلّ أمرٍ يبتغون الحصولَ عليه. وبهذا يكون الحرمانُ عطاءً في الحقيقة؛ يُحرَمُ المرءُ ليسعى، ويقومَ بدوره في سبيل ما يريد الحصولَ عليه، يُحرَمُ ليتعلّمَ ويتطوّر بذاتِه، وليعتمدَ على جدارته ومؤهِّلاته. وبهذا المعنى يصبح الحرمانُ لغةً تربويّة، لا تُجرِّد الإنسانَ من الأمل، بل تُعيد توجيهَه نحو ما هو أنفعُ له وأليقُ بقدْره.
 
لذلك من الضروريّ لكلّ واحدٍ منّا أن يعرفَ قدرَه، وأن يطلبَ ما يوافقُ إمكانياتِه، فيوازنَ بين طموحِه وقابليّاتِه ومهاراتِه، وأن يُبادِرَ إلى العمل والسعي وتوفيرِ الشروطِ الضروريّة على الأقلّ، ثم يطلبَ ما يريدُ طلبَه.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha