
هذه سُنَّةٌ من سُنَنِ الله تعالى، ثابتةٌ مطَّردة، تجري عندما تتكامل شروطُ جريانها في كلِّ من يبغي ويتجاوز الحدَّ ويتطاول على الحق. وإذا رأى الناسُ أنها قد تأخَّرت فلأنهم ينظرون إلى الأمور من زاويتهم هم، وهم محدودون ومطبوعون على الاستعجال.
ولكي تتضح هذه السُّنَّة، ينبغي أن نبيّن المراد من البَغي، وهو: تجاوزُ الحقِّ أو العدل أو الحدِّ بالظلم أو الاعتداء أو الاستئثار أو الإسراف، سواء أكان ذلك في الكمِّ أم في الكيف. وأصله من الميل عن الاستقامة؛ فالباغي هو من جاوز الحدَّ الذي رسمه الله، واستعمل القوّة أو المنزلة أو المال أو اللسان في غير موضعها الملائم، طلبًا للهيمنة أو الفساد.
فمن كان منه بَغْيٌ فمآله إلى الانكسار والسقوط، وذلك هو الجزاء الطبيعي له، وبهذا يكون الباغي باغيًا على نفسه قبل غيره، بما يجلب إليها من سقوط وانكسار وهزيمة. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ﴾ (يونس: 23).
ولا شك في قُبح البغي وحرمته؛ فالعقل ينهى عنه كما ينهى عنه الدين. وقد حذّر القرآن الكريم في كثير من آياته من البغي، وحذّر منه رسول الله (ص) والأئمة الأطهار (ع)، فكشفوا أن أعجل الشر عقوبةً البغي، وأن البغي يعجّل الصَّرعة، ويسلب النِّعمة، ويجلب النِّقمة، ويوجِب الدمار، ويقود أصحابه إلى النار، وأن من سَلَّ سيفَ البَغي قُتِل به، ومن بَغى بُغِيَ عليه.
فهذه النصوص تؤكِّد أن البَغي لا يمرّ بلا حساب، لأنه يهدم مبدأ العدل الذي يقوم عليه ميزان الوجود كله، فضلًا عن الحياة الإنسانية الاجتماعية. فمن بَغى كُسِر، لأن العدالة الإلهية لا تسمح للبغي أن يستمر إلى غير نهاية.
ومِمَّا لا شك فيه أن البغي لا يقتصر على طغيان الحكّام أو المتسلّطين، بل يتسلّل إلى النفس البشرية بأشكال خفيّة؛ فكل من تعدّى على حق غيره، أو استخفَّ بكرامة إنسان ضعيف، أو مارس سلطة في غير موضعها، فقد بَغَى. ولذلك قد يبغي الزوج على زوجه، والأب على ابنه، والأخ على أخيه، والمعلّم على تلميذه، والبائع على المشتري، فما أكثر البغي في الميدان الاجتماعي.
كما لا يقتصر البَغي على غصب عِقار أو مال، فقد يكون في كلمة جارحة، أو نظرة استعلاء، أو ظلم في تقييم، أو استغلال لحاجة إنسان.
ولا ريب في أن الباغي تدور عليه الدوائرُ ولو طال الزمن، ويرتدّ عليه بغيه عقوبةً ولو تأخرت، فالماضي والحاضر يشهدان بذلك، ويعرضان لنا مشاهد سقوط الطُّغاة البُغاة؛ قد أخذهم الله بذنوبهم، ولم يكن لهم من الله من واقٍ.
إذن، مُحالٌ في عدل الله تعالى أن يُسمح للبغي أن يستقرّ ويدوم؛ فقد يُؤخَّر إنزالُ العقوبة بالباغي إلى وقتٍ تتكامل فيه أسبابُ كسره والانتقام منه، ولكنه مأخوذٌ ببغيه عاجلًا أو آجلًا.
بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي