ایکنا

IQNA

أشهر علماء المسلمین / 12

الاهتمام بالايقاع وجماليات اللغة في ترجمة القرآن بمنطقة البلقان

13:47 - December 20, 2022
رمز الخبر: 3489111
طهران ـ إکنا: إن ترجمة القرآن الكريم شهدت تطوراً کبیراً في دول البلقان حیث بدأت بالنمط التفسیري وصولاً إلی الإهتمام بالجمالیات اللغویة بحيث يتمتّع القارئ بالمعنى والمبنى في لغته القومية.

النغم والجماليات اللغوية في ترجمة القرآنوبعد إنتشار ترجمة القرآن الکریم في دول منطقة البلقان کـ ألبانیا والبوسنة والهرسك وکوسوفو حیث بدأ اثنان من العلماء المسلين في كوسوفو "شریف أحمدي" و"حسن ناهي" بترجمة القرآن الکریم العام 1988 میلادي وسرعان ما بلغ عدد الترجمات 12 ترجمة للقرآن.

كان الاهتمام بترجمة القرآن إلى الألبانية يتزايد في كوسوفو المجاورة، حيث إن ترجمة مهديو الصادرة في 1985، كانت تحمل تحدّياً لعلماء المسلمين باعتبار أنه كان محسوباً على "المستشرقين" لكونه يعمل في "قسم الدراسات الشرقية" بجامعة بريشتينا، ولذلك سارع اثنان من علماء المسلمين في كوسوفو، هما شريف أحمدي وحسن ناهي، إلى إنجاز ونشر ترجمتين مختلفتين صدرتا في 1988.

ثمّ تتالت الترجمات خلال السنوات اللاحقة حتى وصل العدد إلى اثنتي عشرة ترجمة، كما هو الأمر في البوسنة. ولكن الجديد الآن أنّ المترجِمين من الجيل الجديد أصبحوا يمثّلون خبرات مختلفة لغوية وأدبية وقانونية وفلسفية وجمالية تركت بصماتٍ في ترجماتهم.

من سعة المعنى إلى نشوة القراءة

تراوحت الترجمات الأُولى من اللغة العربية بين الترجمة العادية والترجمة التفسيرية (كما يفضّل تسميتَها علماء الدين)، التي غاصت في التفاسير، ليصبح المعنى هو الشاغل الأول والأخير، وهو ما يميّز هذه الترجمات على حساب جماليات اللغة المحلّية (البوسنوية أو الألبانية وغيرها).

وكان لا بد أن تنقضي ترجمات عديدة من هذا النوع حتى يأتي من ينبّه إلى الجانب الآخر: الأُسلوبي الجمالي في اللغة المحلّية، بحيث يتمتّع القارئ بالمعنى والمبنى في لغته القومية.

وقد تمخّضت هذه الحالة في البوسنة أوّلاً مع ترجمة الأكاديمي أسعد دوراكوفيتش بعد عُقود من ترجمته لروائع الأدب العربي من شعر ونثر، والذي يجمع في تكوينه بين اللغة والنقد والأسلوبية والموهبة الشعرية، حيث أصدر في 2004 "القرآن الكريم مع ترجمته إلى اللغة البوسنوية"، وهي ترجمة مميزة للقرآن عمل فيها لسنوات طويلة، وأراد منها أن يتمتّع القارئ البوسنوي بقراءة القرآن بلغته القومية، وليس فقط بمعانيه السامية.

وبدأ الأکادیمي "أسعد دوراکوفیتش" تطبیق نمط إدخال الجمالیات في ترجمة القرآن الکریم من خلال إصداره العام 2004 "القرآن الکریم مع ترجمته إلی اللغة البوسنیة" وکانت ترجمة رائعة للقرآن الکریم، وكان مشغولاً بترجمة القرآن لسنوات عديدة، وكان هدفه أن يستمتع القارئ البوسني بقراءة القرآن بلغته الوطنية.

وهذه التجربة خاضها أخيراً الحقوقي والدبلوماسي الكوسوفي فاتمير عثماني، الذي قضى عشر سنوات في سفارة بلاده في لندن، حيث تعرّف هناك على تراث العالِم البريطاني في الدراسات الشرقية مرمدوك بكثال، الذي اعتنق الإسلام وتسمّى بمحمد مرمدوك وسعى إلى ترجمة القرآن إلى الإنكليزية، وهو ما تطلّب منه أن يزور الأزهر، ويناقش معه الأمر حتى حصل على موافقته ونشر ترجمته عام 1930.

ونظراً لموهبته في الأسلوبية الألبانية، قبل عثماني التحدّي، وقرّر أن ينقل ترجمة بكثال، المعتمَدة من الأزهر، إلى اللغة الألبانية لتصدُر في صيف 2022، ولتكون بذلك الترجمة الثانية عشرة، ولكن بأسلوبٍ اعتمد فيه على ما في التراث الألباني من إيقاع، ليجعلَ القارئ الألباني يتمتّع أيضاً بقراءة القرآن بلغته القومية بالإضافة إلى معانيه السامية.

ففي "كلمة المترجِم" التي جاءت مختصَرة، يذكر أنه أراد من ترجمته للقرآن "أن تكون بأقل قدر من الكلمات ومن الجمل الرابطة لكي تكون له سيمفونيته وسجعه وإيقاعه، حتى يُفهم ويُحفظ بشكل أحسن وبشكل أسهل".

وبالمقارنة مع تجربة دوراكوفيتش التي احتوت القرآن بنصه العربي، مع انعكاس ذلك على العنوان "القرآن الكريم مع ترجمة إلى اللغة البوسنوية"، أي أن القرآن الكريم هو النص المنزّل في العربية، بينما ما يقرأه البوسنوي في لغته هو ترجمة له، لا يجد القارئ الألباني هنا سوى النص الألباني ليتعامل معه فقط، بينما جاء الغلاف الخارجي بعنوان "القرآن العظيم: معناه في الألبانية"، وفي الغلاف الداخلي ترجمَه عن الإنكليزية فاتمير عثماني بالاعتماد على ترجمة بكثال 1930.

ومع أن "الجماعة الإسلامية" في كوسوفو، التي تمثّل المسلمين دستورياً أمام الدولة وترعى شؤونهم الثقافية، تقبّلتِ الأمر ودعت إلى حفل إشهار لهذه الترجمة الجديدة، إلّا أن بعض المشتغلين في هذا المجال عبّروا عن تحفّظهم، لكون الترجمة من الإنكليزية وليس من العربية بعد كلّ هذا التراث من الترجمات.

ولكن أحد المشتغلين في هذا المجال، الباحث شمسي أيوازي الذي يجمع بين العلوم الإسلامية والعربية والترجمة الأدبية من العربية إلى الألبانية، عبّر عن رأي مغاير لصالح الترجمة الجديدة التي استشاره فيها المترجِم. فحسب أيوازي كانت الترجمات الألبانية السابقة تركّز على المعنى فقط، وتختلف عن بعضها البعض حسب مصادر التفسير التي كانت تعود لها، بينما اعتمد المترجِم الجديد فاتمير عثماني نصّاً وافق عليه الأزهر، ولذلك ركّز كل جهده على "ألبنة" هذا النص حتى يشعر القارئ الألباني كأنه يقرأ نصاً من تراثه.

وبالطبع؛ إن مثل هذه النظرة تحتاج إلى وقت حتى تثبت مصداقيتها، لأن كثرة الترجمات الألبانية للقرآن أصبحت تربك القارئ الألباني لما بينها من اختلافات في المنهج والأسلوب، ولكن من المؤكّد أن هذه الترجمة للقرآن إلى الألبانية لن تكون الأخيرة.

أخبار ذات صلة
captcha