ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

الاستغفار يُثمِر الرزق

16:59 - February 06, 2023
رمز الخبر: 3489841
بيروت ـ إکنا: في جوهرته الشريفة يكشف الإمام أمير المؤمنين (ع) عن أن الاستغفار يُثمِر الرزق، فكأن الرزق بعيد والاستغفار يأتي به ويجلبه.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "أَكْثِرُوا الاسْتِغْفارَ تَجْلِبُوا الرِّزْقَ".

في عدة من آيات القرآن الكريم يربط الله تعالى بين الاستغفار وكثرة الأرزاق وسعتها، أستشهد بثلاثٍ منها مراعاة للإيجاز، قال تعالى حاكياً كلام نوح (ع) مع قومه: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴿10﴾ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴿11﴾ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا" ﴿12/ نوح﴾.

وقال تعالى: "وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ... "*﴿3/ هود﴾.

وقال تعالى حاكياً كلام هود (ع) مع قومه: *"وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ..."*﴿52/ هود﴾.

وفي جوهرته الشريفة يكشف الإمام أمير المؤمنين (ع) عن أن الاستغفار يُثمِر الرزق، فكأن الرزق بعيد والاستغفار يأتي به ويجلبه، ونحن وإن كنا مُوقنين من أن ذلك كائن لا محالة، فما يكشف الله عنه من أسباب نحن لا نعلمه، وما يَعِدُ الله به كائن بلا ريب لأن الله يفي بوعده، ومن أوفى بالوعد منه، لكن نفوسنا التي فُطِرَت على طلب المعرفة تطمح إلى أبعد من ذلك، إنها تسأل عن سِرِّ ذلك الربط بين الاستغفار وكثرة الرزق وسعته، هذا حال النفوس المؤمنة الموقِنة بقدرة الله وتسبيبه الأسباب، أما النفوس غير المؤمنة فقد تتساءل باستنكار وتعجُّبٍ فتقول: كيف لاستغفار أن يكون سبباً لزيادة الرزق وكثرة الخيرات؟ كيف لكلمة (استغفر الله) أن تفيض الخيرات على المستغفر، والحال أننا نعرف أن الرزق لا يأتي من دون عمل وسَعي، ونعلم أن له أسبابه الطبيعية المادية، وأنه خاضع للظروف الاقتصادية، ووفرة الثروات الطبيعية، وفرص العمل، وقوانين الإنتاج؟!

والجواب سهل*، ولكن يجب أن نفهم المراد من الاستغفار في الآيات الكريمة المتقدمة، فالاستغفار: طلب المَغفرة، والعفو، والصَّفح من الله تعالى بالمقال، والفِعال. وهو يستبطن معنيين اثنين: *الأول: طَلَبُ وِقايَةِ شَرِّ ما مَضَى، الثاني: رجوع العبد إلى ما يجب أن يكون عليه بعد أن خرج منه بالمعصية، وما يجب أن يكون عليه العبد هو الطاعة لله والالتزام بشريعته فيما أوجبَ وفيما حرَّم عليه، والاستقامة على منهاجه، ولا يرتاب أحدٌّ في أن الله الرحمان الرحيم قد هيَّأ لجميع خلقه أرزاقهم بما وهبهم من ثروات طبيعية، وماء وهواء وتراب، وثمار ونباتات، ومناخات ملائمة، وليل ونهار، وفصول أربعة، ونِعَم لا تُعَدُّ ولا تُحصى، وخيرات تكفي كل أهل الأرض من بَشَرٍ وحيوان، ثم وهبهم المعرفة الضرورية ليستفيدوا منها في مختلف حاجاتهم، كل ذلك كان ويكون وفق تقدير إلهي مُتقَنٍ، وسُنَنٍ جارية لا تتبدَّل ولا تتحوَّل، ولم يكتفِ سبحانه بما وهبهم من خيرات وأرزاق ومعرفة، بل تلطَّف بهم بما سَنَّ لهم من شريعة حدَّدَت لكل واحد منهم حظَّه من تلكم النعم، وبَيَّنَتْ ما يَحِلُّ له وما يحرم عليه، ووضعت لهم حدوداً لم تسمح بتجاوزها، لأن في تجاوزها ظُلمٌ لأنفسهم وظلم لغيرهم، والظلم وحده هو الذي يتسبب بالفقر، فعندما تستبدُّ الأنانية ويستولي الطمع على الإنسان، ويدعواه إلى أن يَقبِضَ على كل النِّعم والخيرات، يريدها لنفسه ويمنعها عن سواه سيؤدي ذلك إلى إفقار الآخرين، وإن مشكلة أهل الأرض اليوم تكمن في تمركز الثروات بأيدي حُفنة من البشر الأنانيين ومنعها عن سواهم، وهم أكثرية البشر، وهذا ما نَبَّه إليه أمير المؤمنين (ع) بقوله: "إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ، فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلَّا بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ، وَاللَّهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ".

إن جُنوحَ البشر إلى الأنانية واستبداد الطمع في نفوسهم هما اللذان يُؤَدِّيان بهم إلى الخروج عن جادة الشريعة الإلهية، التي قررت الحقوق والواجبات بهدف الحفاظ على المجتمع البشري، ودرء الفقر والحروب، هنا يبرُزَ دور الاستغفار العملي المتمثل بالرجوع إلى شريعة الله والالتزام العملي بها، والوقوف عند حدود الله واجتناب الظلم، فإن حصل فإن الثروات ستكون كافية للبشرة كلها، وسينعم البشر بالوفرة ورغد العيش.

وما نلاحظه في الآيات الكريمة التي تقدمت هو أن الخطاب القرآني توجه إلى الأمم لا إلى الأفراد فلا يكفي أن يستغفر شخص، وبكلمة أخرى: لا يكفي أن يلتزم شخص بالشريعة كي يعُمّ الخير ويتسع الرزق، بل لا بد من أن تستغفر الأمة كلها، وتلتزم الأمة كلها، ويقف جميع أو معظم أفرادها عند حدود الله.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha