ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

الانسان ابن التجربة

11:59 - January 29, 2023
رمز الخبر: 3489722
بيروت ـ إکنا: إن الانسان ابن التجربة، إنه قبل التجربة شيء، وبعدها قد يكون شيئاً آخر، سلوكه قبل التجربة قد يختلف عن سلوكه بعدها، حتى قِيَمه ومَعاييره وعلاقاته قد تختلف بعدها، فالتجربة هي التي تثَبِّتُ ما كان أو تنقضه.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "المَرْءُ يَتَغَيَّرُ في ثَلاثٍ: القُرْبِ مِنَ الْمُلُوكِ، وَالْوِلاياتِ، وَالْغِنى بَعْدَ الْفَقْرِ، فَمَنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ في هذِه فَهُوَ ذُو عَقْلٍ قَويمٍ وَخُلْقٍ مُسْتَقيمٍ".

لا نُجانب الحقيقة إن قلنا: إنَّ الانسان ابن التجربة، إنه قبل التجربة شيء، وبعدها قد يكون شيئاً آخر، سلوكه قبل التجربة قد يختلف عن سلوكه بعدها، حتى قِيَمه ومَعاييره وعلاقاته قد تختلف بعدها، فالتجربة هي التي تثَبِّتُ ما كان أو تنقضه.

ويشهد لذلك التجربة الإنسانية، فكم أثبتت لنا ثَباتَ بعضٍ على عقائدهم وقِيَمهم ومعاييرهم ومواقفهم، وكم أثبتت لنا تغيُّرَ بعضهم الآخر حتى كأننا نتعامل مع إنسان آخر نتعرَّف إليه حديثاً. 

وفي تاريخنا الطويل نقرأ عن كثيرين مَضَوا على الطريق حتى آخره، بقوا على قيمهم، وتمسَّكوا بمبادئهم، ولم تغيّرهم الولايات ولا المناصب ولا الجاه ولا الثراء ولا المصالح الشخصية، بل دفعوا أثماناً باهظة للثبات عليها، ونعرف كثيرين في عصرنا الحاضر كذلك، بقوا كما كنا نعرفهم، متواضعين، صادقين، أوفياء، ملتصقين بالناس، يحملون همومهم، ويدافعون عنهم، ويصبرون على الأذى والظلم والاضطهاد والتكذيب وتشويه السمعة ولم يتزحزحوا عن مبادئهم وقيمهم. وهؤلاء يَجِدُ المَرْءُ ضرورة احترامهم وتقديرهم، ويقف منهم موقف الإجلال والتعظيم بلا شك.

ونقرأ في المقابل عن أشخاص كثيرين غيرتهم الأيام، كانوا على شيء وصاروا إلى شيء آخر، غَيَّروا مَبادئهم وتنَكّروا لقِيَمهم، وقطعوا مع ألصَق الناس بهم، حتى لكأنهم لم يعرفوهم فيما مضى، وانقلبوا على أعقابهم، وتحوَّلوا من أولياء لأوليائهم إلى أعداء لهم، وصاروا في الصف الآخر، والجبهة المقابلة، والمرء حيال هذا الصنف من الناس تستبدُّ به الدهشة ويعتريه التعجُّب، ويستذكر ما كان منهم من مواقف وأفكار واعتقادات وقيم، وكيف صاروا وإلى ما صاروا، فإما أن يتَّهم معرفته السابقة بهم، أو يراهم وقد انكشفت حقائقهم وبدَت بواطنهم، وأظهرت الأيام ما كان مكنوناً في صدورهم وقلوبهم، أو أن الولايات والثراء قد غيَّرا فيهم.

إن أمير المؤمنين (ع) يكشف في جوهرته الخالدة عن أهم الأمور التي تُغَيِّر الناس وهي ثلاثة، فيقول: "المَرْءُ يَتَغَيَّرُ في ثَلاثٍ: القُرْبِ مِنَ الْمُلُوكِ، وَالْوِلاياتِ، وَالْغِنى بَعْدَ الْفَقْرِ..."

الأمر الأول: القُرْب مِنَ الْمُلُوكِ، إن بعض الناس حين يكون بعيداً عن الملوك والرؤساء وأهل السلطة غالباً ما يكون ناقداً لهم، معارضاً لسياساتهم، فإذا ما حظي بالقرب منهم لا يسكت عنهم وحسب، ولا يرضى عنهم وحسب، بل يصير أداةً لهم، وخادماً لسياساتهم، ومدافعا عنهم، وجندياً يقاتل عنهم. 

الأمر الثاني: الْوِلايات، فحين يكون مواطنا عادياً يختلف حاله جذرياً عندما يصير صاحب سلطة، عندما يكون مواطنا عادياً تراه يلتصق بالناس، يتوَدَّد إليهم، ويتواصل معهم، ويشاركهم همومهم، ويكون معهم في أفراحهم وأتراحهم، ويرفع صوته في الدفاع عن حقوقهم، فإذا صار صاحب سلطة، يعتزل الناس، ويدير الظهر لهم، ويستطيل عليهم، بل يفِرُّ منهم، ويجعل زجاج سيارته الداكن حاجزاً بينه وبينهم، وما أكثر هؤلاء.

الثالث: الْغِنى بَعْدَ الْفَقْرِ، وهذا الصنف كسابِقَيه، وهو كثير أيضاً، قَبْلَ غِناهُ يكون داعية قِيَمٍ ومبادئ، وبعد غناه يغير مبادئه، وينسى قيمه، بل يعمل على فرض قِيَمه ومبادئه المستجِدَّة القائمة على تمجيد الثروة والغِنى واعتبارها الأساس في قيمة الإنسان. 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية  السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha