ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

هناك إجماع بين الفقهاء المسلمين على حرمة مدح الظالمين

12:00 - February 13, 2023
رمز الخبر: 3489937
بيروت ـ إکنا: إن هناك ما يقرُبُ من الإجماع بين الفقهاء المسلمين من الشيعة والسُّنَّة على حُرمَة تزكية ومدح من لا يستحق المدح، من الظالمين، والطغاة، والجَبابرة، والمُفسدين، والأشرار، بل والعُصاة، والفُسَّاق، والذين يعملون في إضلال وإغواء الناس.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "أَكبَرُ الْأَوْزارِ تَزْكِيَةُ الْأَشْرارِ".

إشارة عَلَوِيَّةٌ حمراء، توقظ ضمائرنا، وتنبهنا على أمر شديد الخطورة، وتضع لنا خطاً أحمر ينبغي ألا نتجاوزه، وتوقفنا أمام مسؤوليتنا عن ولاءاتنا ومواقفنا، وعن كل شهادة نمنحها، أو مديح نُكيله، أو موقف نؤيد فيه أحداً من الناس، أو جماعة من الجماعات، أو مؤسسة من المؤسسات، فإن لكل موقف أو كلمة أو تأييد أو توثيق أو تزكية تَبِعاتٌ علينا كأفراد في دنيانا وفي آخرتنا، وتَبِعاتٌ على المجتمع الذي يثق بنا ويركن إلى رأينا، فهذه مسؤولية إنسانية وإيمانية وأخلاقية كُبرى.

ولئن كان جائزاً تزكية الإنسان الصالح ومدحه والثناء عليه، بل قد يستَحبُّ ذلك، فيما لو كان فيه إظهاراً للفضل والفضائل، وترويجاً لِقِيَم الخير والعدل والإنصاف، وتحفيزاً للناس كي يتمثلوا في حياتهم بسلوكيات المَمدوح من الصالحين، لكن الثناء على الفاسد، والمدح للظالم، والتزكية للمنحرف، وِزْرٌ كبير بل أكبر الأوزار نحملها على كواهلنا، وتَنْحَني من ثقلها ظهورنا يوم الحساب والجزاء.

إن هناك ما يقرُبُ من الإجماع بين فقهاء المسلمين من الشيعة والسُّنَّة على حُرمَة تزكية ومدح من لا يستحق المدح، من الظالمين، والطغاة، والجَبابرة، والمُفسدين، والأشرار، بل والعُصاة، والفُسَّاق، والذين يعملون في إضلال وإغواء الناس، والعِلَّة في التحريم أن مدحهم والثناء عليهم يوجب زيادة شَوكتهم، وقوة بُنيانهم، واستمرارهم على الظلم والجَور والطغيان، والتمادي في المُنكر والعِصيان، ما يجعل المادحَ والمُزَكِّي شريكاً لهم فيما يفعلون ويدعون إليه، لأنه بتزكيته لهم يعينهم، وبالثناء عليهم يُرَوِّج لهم ولقيادتهم، ولِقِيَمهم ويبرِّرُ سلوكياتهم، وفي هذا من المُنكر ما لا يخفى، إذ يترتب عليه الكثير من العناوين المُحرَّمة، كالترويج للباطل والفساد، وإشاعة المنكرات والفواحش، والكذب، والغِشّ، والتدليس، وتزوير الحقائق، وتقوية المبتدعين والفاسدين، والإعانة على الإثم، والركون إلى الظالم.

ولذلك وقف الإسلام من هذا الأمر موقفاً صارماً، ولم يهادن فيه أبداً، وقد صدرت الكثير من الأحاديث عن رسول الله (ص) والأئمة الأطهار (ع) للتنبيه والتحذير من خطورة هذا الفعل، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "إذا مُدِحَ الفاجِرُ اهتَزَّ العَرشُ وغَضِبَ الرَّبُّ" وعنه (ص) أنه قال: "مَن مَدَحَ سُلطاناً جائراً وتَخَفَّفَ وتَضَعضَعَ لَهُ طَمَعاً فيهِ كانَ قَرينَهُ إلَى النّارِ". وقال: "إنّ اللَّهَ يَغضَبُ إذا مُدِحَ الفاسِقُ"*. وقال: *"إِذا رَأَيْتُمْ المَادِحِيْنَ فَأحْثُوا في وُجُوهِهِم التَّرابَ".

فحين يأمر رسول الله (ص) أن يُحْثَى التراب في وجوه المادحين لمن لا يستحق، أو من يجب ذمه، فذلك دليل على خطورة الدور الذي يؤدونه، لأنه لولا المادحين له لن يتمكن الظالم من توطيد سلطانه وتثبيت أركان مشروعه، فهؤلاء في الواقع هم أخطر أدواته وأكثرها تأثيراً، إنهم أكثر تأثيراً من الأسلحة الفتاكة، فالأسلحة يمكن أن تواجهها الأمة بأقوى منها، أما تزيين الباطل والثناء على أهله، وتزيين المفسدين، وتقديم الطغاة الجبابرة كمصلحين عالميين، كما يحدث الآن، فهذا أخطر في نتائجه وآثاره، ولذلك نجد الطغاة اليوم يراهنون على صناعة أفراد ونُخَب مهمتها الترويج لنموذجهم وفكرهم وقيمهم.

وما أكثر الذين يعملون اليوم في تلميع صور الطغاة والفاسدين وهناك الآلاف من المؤسسات الإعلامية والإعلانية ومئات الآلاف من جيوش الإعلاميين والمغردين والطبالين ممن يعملون في هذا، إنهم يُلَمِّعون أفكار الطغاة، وقيمهم، ومبادئهم، ويجعلون من غَثِّهم سَميناً، ومن باطلهم حقاً، ومن شَرِّهم خيراً، ويقدمونهم للعالم قادة أخياراً، وصالحين أبراراً، وهم فُجَّار وطغاة وظلمة، وفي رقابهم ملايين الرقاب المقطوعة، ومن مَخالبهم تنزف دماء المظلومين والمحرومين.

والأسوأ من هؤلاء وأولئك من مرتزقة المداحين، أولئك الذين يقدمون أنفسهم على أنهم رجال الدين وأنهم ينطقون باسم الله، فيرفعون من يشاؤون بمدحهم، ويزكون من يريدون، ويغتالون من يريدون بفتاوى التضليل والتكفير يتقربون بذلك إلى الطغاة، ويخدمون أهدافهم.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "السيد بلال وهبي"

أخبار ذات صلة
captcha