ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "أَفْضَلُ الْكُنُوزِ حِرْفَةٌ تُدَّخَرُ".
عندما نقرأ أو نسمع كلمة كنز تتداعى في الذهن معاني الثراء، وتشرئب في النفس رغبة بالعثور على واحد منه، لما يترتب على ذلك من ثراء غير منتظر، فتتغير حال من يعثر على واحد منه، وتتسع حياته ويرغد عيشه، غير أن فُرَص العثور على كنز قليلة، ومن يُمَنِّي النفس بذلك فهو يراهِن على سراب، ويفوته العثور على أفضل الكنوز وهي مَوفورة ومتاحة له، لأنها مخبوءة في ذاته، خبَّأها الله له، وشَرْطُ العثور عليها أن يثق المرء بنفسه، ويكتشف قابلياته وقدراته، ويعمل على تطويرها وتنميتها، وهو إن فاز بها قادر على أن يحصل على أكثر مِمّا يتمناه ويرجوه من كنوز الأرض كلها.
إن من أفضل الكنوز أن يكون لكَ حِرْفَة تَدَّخرها لأيامك، حِرْفَة تَستَدِرُّ بها رزقك، وتوفِّر بها حاجاتك، وتغنيك عن السؤال من الناس، حِرْفَة تجعل منك شخصاً مُنتجاً لا شخصاً مُستهلكاً، وأنت لم تُخلَق لتستهلك بل خُلِقَت لتعمل وتنتج، وتكتشف وتستثمر، وتُبدع وتُطور، وحاجاتك الكثيرة لا يمكن أن توفِّرها إلا إذا سعيت وكابدت، لأن الحياة الدنيا قائمة على السَّعي والعمل.
فانظر حولك قارئي الكريم، ستجد كل ما خلقه الله من بشر وحيوان ونبات ساعياً وراء رزقه، محترفاً في الحصول عليها، كل مِنهم له حِرفة، وطريقة، ووسيلة، فلا تكن أنت الاستثناء من القاعدة، فتجلس في بيتك، وتستند على أريكتك، وتحلم أن يسقط عليك رزقك من السقف.
إنَّ عليك أن تكون صاحب حرفة، صاحب مهنة، صاحب اختصاص، الحياة تلزمك بذلك، فما دمت حياً فلك حاجات كثيرة، ولن تتمكن من توفيرها إلا بواسطة عمَلٍ، أو مِهنَة واختصاص، فمن دون ذلك لن تعمل، ومن دونه لن تجد فرصة، ومن دونه لن تحصل على وظيفة، خصوصاً في زماننا هذا حيث باتت فرص العمل والوظائف مشروطة بأن تكون صاحب اختصاص علمي، أو حِرفة تتقنها، فإن لم تكن كذلك فلن ينظر أحد إليك بعين التقدير والاحترام.
رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "إنَّ اللَّهَ تعالى يُحِبُّ العَبدَ المؤمنَ المُحْتَرِفَ". ورُوِيَ أنه (ص) *"كان إذا نَظَرَ إلى الرّجُلِ فأعْجَبَهُ، قالَ: هَل لَهُ حِرْفَةٌ؟ فإنْ قالوا: لا، قالَ: سَقَطَ مِن عَيْني. قيلَ: وكيفَ ذلكَ يا رسولَ اللَّهِ؟! قالَ: لأنَّ المؤمنَ إذا لَم يَكُن لَهُ حِرْفَةٌ يَعيشُ بدِينهِ". أي سيعيش على حساب دينه وكرامته.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي