ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

تطبيق الحدود الشرعية من منظور الامام علي(ع)

14:15 - January 31, 2023
رمز الخبر: 3489766
بيروت ـ إکنا: کان أمير المؤمنين الامام علی (ع) صارماً في تطبيق أحكام الله تعالى ومواجهة الفساد والمفسدين.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "أَقِمِ الْحُدُودَ فِي الْقَريبِ يَجْتَنِبُهَا الْبَعيدُ"

هذه وصية جليلة يوصي بها أمير المؤمنين (ع)، وأولى الناس أن يستوصي بها ذلك الشخص الذي يتسَنَّم مواقع قيادية أو قضائية، أو يقود نَهَضات اجتماعية أو سياسية، أو يثور على الفساد والمفسدين، ويدعو إلى إقامة العدل وبسط القسط في المجتمع، أو ذلك الشخص الذي يدير مُؤَسَّسَة، أو يقود جماعة أو حِزباً ويريد أن تنتظم أحوال مؤسسته أو جماعته أو حزبه، أو يجري إصلاحات، أو يَحْمِل موظَّفيه وعُمّاله وأتباعه ومحازبيه ومواطنيه على الإلتزام بالقوانين المَرعية الإجراء، أو يعاقب الفاسدين والمخالفين ويحاسبهم.

إِنَّ لكل واحد منا دوائر من الناس تحيط به، بعضها قريب وبعضها الآخر بعيد، وهي تتسع حتى تشمل البعيدين ممن لا صلة لهم بهم إلا صلة العضوية أو المواطنة، ومن الطبيعي له بل من الواجب عليه إن كان مَسؤولاً أو قائداً أو مُصلحاً أو ثائراً أن لا يداهن في تطبيق القوانين، وفي الدعوة إلى تطبيقها والالتزام بها، وألّا يُحابي أو يستثني أحداً من الناس، فكلهم يجب أن يكونوا سواسية أمام القانون، وكلهم يجب أن يكون خاضعين له، عاملين بمقتضاه، فإن بَدَرَت من أحدهم مخالفة يستحق عقوبة بسببها فيجب أن يُعاقَب مهما كانت صِلته به وقربه منه، فيجب أن يبدأ بالدائرة الأقرب إليه، فإن ذلك يَحْمِل الآخَرين البعيدين على الإلتزام والتقيد بالقوانين، بل يصدُّهم عن مخالفتها والخروج عنها، إذ يعلَمون أن ذلك المسؤول الذي لم يراعِ القريب ولم يتجاوز عن خطئه أو تعدِّيه وفساده، فمن الأولى أن لا يراعي البعيد.

إننا نقرأ في مصادر المسلمين حديثاً لرسول الله (ص) رواه البخاري ومسلم، ولم يرد في المصادر الشيعية، ولكن مضمونه بالغ الأهمية يمكننا أن نذكره شاهداً على ما سبق وقلنا، فقد جاء في الحديث: "لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتُ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها" ورغم أن فاطمة الزهراء (ع) لا يكون منها ذلك أبداً لشرافة ذاتها وقداستها ونزاهتها، ولكن رسول الله (ص) يقول ذلك من باب فرض المحال ليس محالاً، ليؤكِّد أن لا محاباة لقريب أو بعيد في تطبيق الأحكام الشرعية وإقامة حدود الله تعالى.

ونقرأ في التاريخ أيضاً عن صَرامة أمير المؤمنين (ع) في تطبيق أحكام الله تعالى وشدته في مواجهة الفساد والمفسدين: أنَّهُ أخَذَ رجُلاً مِن بَني أسَدٍ في حَدٍّ وجَبَ علَيهِ لِيُقيمَهُ علَيهِ، فذَهبَ بنو أسَدٍ إلى‏ الحسينِ ابنِ عليٍّ عليهما السلام يَسْتَشفِعونَ بِه، فأبى‏ علَيهِم، فانْطَلقوا إلى‏ عَليٍّ عليه السلام فسَألوهُ فقالَ: "لا تَسألوني شَيئاً أمْلِكُهُ إلّا أعْطَيتُكُموه".

فخَرجوا مَسْرورينَ، فَمرّوا بالحسينِ عليه السلام فأخْبَروهُ بما قالَ، فقالَ: "إنْ كانَ لَكُم بصاحِبِكُم حاجَةٌ فانْصَرِفوا فلَعلَّ أمْرَهُ قَد قُضِيَ"، فانْصَرفوا إلَيهِ فوَجَدوهُ (صلواتُ اللَّهِ علَيهِ‏) قَد أقامَ علَيهِ الحَدَّ، قالوا: ألَمْ تَعِدْنا يا أميرَ المؤمنينَ؟!، قالَ: "لقَد وَعَدتُكُم بما أمْلِكُه، وهذا شَي‏ءٌ للَّهِ لستُ أمْلِكُهُ".

ونقرأ أيضا أن أمير المؤمنين (ع) قد أقام الحَدَّ على النجاشي الشاعر الذي قاتل معه في صِفِّينَ، وكان يمدحه، فقد شرب الخمر في شهر رمضان وعندما قيلَ له: ويْحَك، أفي شهر رمضان؟ قال: ما شهر رمضان وشوَّال إلا واحد. فأُتِيَ به إلى أمير المؤمنين (ع) فقال له: ويحك وُلداننا صيامٌ وأنت مفطر؟ فأقام عليه الحد فضربه ثمانين سوطاً، وزاده عشرين سوطاً، فقال النجاشي: ما هذه العلاوة يا أبا الحسَن؟ فقال (ع): هذه لجرأتك على الله في شهر رمضان.

ولما اعترض عليه طارق بن عبد الله النهدي في ذلك، أجابه (ع): يا أخا بني نَهد، وهل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حُرمةً من حُرَم الله، فأقمنا عليه حدّاً كان كفّارة له، إن الله تعالى يقول: "...وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"*﴿8/ المائدة﴾.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "السيد بلال وهبي"

أخبار ذات صلة
captcha