ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

العقل عقال من الجهل

13:10 - June 09, 2023
رمز الخبر: 3491482
بيروت ـ اكنا: إن العقل عقال من الجهل، وعقال من التهوُّر، وعقال من الفضولية، العقل يقول للإنسان: إن لك حدوداً يجب ألّا تتجاوزها، وآداباً يجب ألا تتجاهلها، وأخلاقيات يجب أن تحرص عليها في تعاملك مع الآخرين، فكما لا ترضى أن يحشر الآخرون أنوفهم في خصوصياتك فلا تحشر أنفك في خصوصياتهم.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "بِتَرْكِ ما لا يَعْنيكَ يَتِمُّ لَكَ الْعَقْلُ".
 
اترك ما لا يعنيك، لا تحشر أنفك في كل شيء، ولا تتدخل في شؤون غيرك، ولا تحرص على أن تعرف كل شيء من أمورهم، اعرف حدَّك وقِفْ عنده، ففي ذلك إكرام لنفسك عن أن تكون فضولياً مُستفزَّاً، واحترام لغيرك عن أن تتدخل في شؤونهم الخاصة، وإراحة لنفسك من تحمِّل كلفة ما تعرف، فإن عدم المعرفة في أحايين كثيرة فيه راحة لك ولغيرك، وهذا من تمام العقل وكماله.

وقد جاء في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "أَكْبَرُ الكُلُفَةِ تَعَنّيكَ فِيما لا يَعْنِيكَ". إن دخولك فيما لا يعنيك غالباً ما يكون على حساب ما يعنيك ويهمك، فما لا يعنيك لا يضرك إن جهلته، أمّا الذي يعنيك فإنه ضروري لك، فالاهتمام به له الأولوية المطلقة.
 
اهتمامك بما يعنيك فيه فوائد عظيمة لك، فنفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، وإن لم تشغلها بطلب العلم شغلتك بالجهل وأفعال الجاهلين، فاشغلها بما ينفعها من تزكية لفضائلها، وتنمية لمهاراتها، وعمل بما ينجيها ويقربها من ربها، وإن شغلتَ نفسك بالناس نسيت ما يهمك، وأوشك اشتغالك بهم أن يوقعك في القيل والقال، وقد يصل بك الأمر إلى أن تقع في أعراضهم وكراماتهم، وما ينتج عن ذلك من عداوات وأحقاد ونزاعات وصراعات أنت في غِنى عنها. 
 
إن الذي يعنيك هو كل ما تحتاجه من أمور دينك ودنياك، من علم نافع، وعمل صالح، وتأدية لحقوق الله وحقوق عباده، وإحسانك إلى أسرتك وذويك، وانشغالك بما أنت مسؤول عنه أمام الله وأمام من له حق عليك، فاهتَمَّ بهذا، ودع عنك سواه تسلَم وتفُز ويسلم سواك من فضوليتك.
 
إن كثيراً من الناس تراه يريد أن يعرف الشاردة والواردة من الأمور التي لا شأن له بها، بل لا ينبغي أن يعرفها، مثل الأسرار، أسرار الناس، وأسرار الدولة، وأسرار الجماعة التي ينتمي إليها، ويريد أن يعرف ماذا يجري في هذه المؤسسة أو تلك، أو يتدخل في شؤون يجب أن تبقى حِكراً على أصحابها، أو يتدخل في قرارات ليس أهلا لها، أو لا يعرف حيثياتها وموجباتها، أو يشير برأي على من لا يستشيره أو لا ينبغي أن يستشيره، أو يتدخل في حديث بين اثنين لا يريدان منه أن يتدخل، أو في نزاع بين اثنين لم يختصما إليه ولم يطلبا حكمه، فيُهين نفسه ويجُرُّ إليها السُّبَّة والشتيمة.
 
إن العقل عقال من الجهل، وعقال من التهوُّر، وعقال من الفضولية، العقل يقول للإنسان: إن لك حدوداً يجب ألّا تتجاوزها، وآداباً يجب ألا تتجاهلها، وأخلاقيات يجب أن تحرص عليها في تعاملك مع الآخرين، فكما لا ترضى أن يحشر الآخرون أنوفهم في خصوصياتك فلا تحشر أنفك في خصوصياتهم.
 
 بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنیة السيد بلال وهبي
 
captcha