ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

الشك معبَرٌ لازم للوصول إلى الحقيقة شرط عدم الاستسلام له

15:13 - June 08, 2023
رمز الخبر: 3491472
بیروت ـ اکنا: الشك معبَرٌ لازم للوصول إلى الحقيقة شرط عدم الاستسلام له من جهة، وعدم الاكتفاء به من جهة أخرى، ففي هاتين الحالَتَين يكون الشك حالة مرضية خطيرة، وتكون آثاره مدمرة.

 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "بِتَكْرارِ الْفِكْرِ يَتَحاتُّ الشَّكُّ".
 
يولَد الإنسان وتولد معه الكثير من الأسئلة الوجودية التي تتصل بوجوده وموجِده وعلاقته به، والغاية من وجوده، ودوره في الوجود، ولا يقرًّ له قرار إلا إذا حصل على أجوبة تشفي غليله، وكلَّما انفتح على الحياة ورأى وسمع، وتعلَّم وعرف، وعايش أحداثها وأزماتها تفجرت في ذهنه الكثير من الأسئلة، وقد تتوارد على قلبه الكثير من الشكوك، وقد يقع في حيرة وضياع، ولا أجانب الحقيقة إن قُلتُ إن الأكثرية الساحقة مِن البشر تنهال عليهم الشكوك من كل حَدَب وصَوبٍ، خصوصاً في عصرنا هذا حيث انفتحت البشرية على بعضها بأفكارها ومعتقداتها وقيَمها وعاداتها، زِدْ على ذلك الهَجمة التشكيكية بالدين والقيم الإلهية التي انطلقت في الغرب كموقف مُضاد للدين الكَنَسي الذي عجز عن الإجابة على كثير من التساؤلات المنطقية والعقلانية التي طرحها الإنسان الغربي، ولم يقف الأمر عند حدود العجز عن الإجابة بل تعداه إلى تبَرُّم الكنيسة من أي سؤال أو وجهة نظر، فانطلقت قاطرة الإلحاد وكان وقودها التشكيك بكل المُسَلَّمات، وتحول التشكيك إلى مناهج علمية تُدَرَّسُ في المدارس والجامعات، فأخذت تلك المؤسسات على عاتقها إعداد أجيال من المُشَكِّكين في كل شيء. 

ثم تسرَّب هذا المنهج إلى بلاد الإسلام بواسطة أولئك الذين تلقّوا علومهم في الغرب أو تلقوها على أيديهم في بلاد الإسلام، وسرى الشَّك في أوساط لا بأس في عددها، ثم جاءت الموجة التالية التي وفَّرتها القنوات الفضائية والإنترنت واليوتيوب فكثرت التساؤلات وانهمرت الشكوك خصوصاً على الجيل الشاب المُنفتح على طلب العلم والمعرفة، والباحث عن الحقيقة.

والحَقُّ أنه لا يجوز لنا أن ننزعج من الشك المُحَفِّز للبحث عن الحقيقة، فإنه الطريق إلى اليقين، فلا معرفة دون سؤال، ولا سَكِيْنَة إلا بعد اضطراب، والله تعالى العليم الخبير بالإنسان قَبِلُ منه أن يسأل، وعلَّمَنا أَلَّا نَضيقَ بِشَكِّ شاكٍّ، أو سؤال مُتسائل، بل دعانا إلى محاورته والإجابة على تساؤلاته، ومواكبته في رحلة البحث عن المعرفة إلى أن يصل إلى اليقين، وشواهد ذلك كثيرة في القرآن الكريم ومن أهمها الحوار الذي جرى بين الله وبين إبراهيم (ع) في كيفية إحياء الموتى.

فالشك معبَرٌ لازم للوصول إلى الحقيقة شرط عدم الاستسلام له من جهة، وعدم الاكتفاء به من جهة أخرى، ففي هاتين الحالَتَين يكون الشك حالة مرضية خطيرة، وتكون آثاره مدمرة، فمن لا يزيل شكه أشبه بالمبتلى بمرض سرطاني (شفى الله المرضى) قابل للانتشار في جميع أنحاء البدن، والشك الذي لا يبحث صاحبه عن علاج له شبيه بالصدأ الذي يزداد سَماكة مع الأيام حتى يهترئ الحديد، فكلما زاد الشك زاد الرَّين على القلب، فلا بد من إزالته والبحث عن الإجابة اليقينية كي يطمئن القلب وتسكن الروح. 
 
بماذا نُعالِجُ الشَّكَّ؟

الإمام أمير المؤمنين (ع) يُقَدِّمُ لنا في جوهرته الشريفة العلاج الأمثل للشك فيقول: "بِتَكْرارِ الْفِكْرِ يَتَحاتُّ الشَّكُّ" إنه (ع) يصور التفكر كالورقة التي يستعملها النجار لِصَقل الخشب، فبالتفكُّر يُزال الشك فيستقر القلب بعد قَلَقٍ، وتطمئن النفس بعد اضطراب ولذلك حَثَّ الله تعالى في عشرات الآيات الكريمة على التفَكَّر واعتبره سِمَةً من سِمات أولي الألباب، واعتبره عبادة بذاته، بل أكَّدت الروايات الشريفة أن تَفَكُّرَ ساعة خير من عِبادة سنة. واعتبرت التفكر من أهم طرق المعرفة الإنسانية، والأساس لكل تطوِّر وتقَدُّم حضاري، والمدخل الأهم لمعرفة الله تعالى والإيمان به، ومن روائع ما جاء في القرآن في الحديث عن التفكر ووصف حال المتفكرين قوله تعالى: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿190﴾ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"﴿191/ آل عمران﴾.
 
والمُلفِتُ أن دراسات علمية حديثة قد أثبتت أن خُلُوَّ الإنسان بنفسه وتأمله في الكون وعجائب خلقه وما بَثَّه الله من آيات باهرة يزيد نفسه صَقلا وصفاءً ونوراً في قلبه، ويزرع في نفسه الطمأنينة والرِّضا، ويزيد قدراته العَقلية والذِّهنية، ويقوّي ذاكرته، كما أنه يقوي مناعة الجسم، ولهذا تعتمد بعض المدارس في الطب النفسي التفكر كعلاج للأمراض النفسية. 
 
بقلم الباحث والكاتب اللبناني في الدراسات القرآنیة السيد بلال وهبي
captcha