ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة....

الاسلام يحُثُّ المسلمَ على الاستغناء

0:21 - June 16, 2023
رمز الخبر: 3491568
بيروت ـ اكنا: يحُثُّ الإسلامُ المسلمَ على الاستغناء ما أمكن عن غيره، ويحثُّه على الاعتماد على نفسه في كل مجال يمكنه ذلك، وإذا لم يمكنه ذلك فيوجِّهه إلى أن يطلب العَون من كرام الناس لا من لئامهم.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "بَذْلُ الْوَجْهِ إِلى اللِّئامِ الْمَوْتُ الْأَكبَرُ".
 
أن تكون محتاجاً لأحد من الناس فذلك أمر طبيعي، فما من أحد إلا ويحتاج إلى الآخرين، وما من أحد يمكنه أن يستغني عن سواه، وذلك سبب رئيسي من أسباب تَكَوًّنِ المجتمع الإنساني، إذ يحتاج الإنسان إلى أخيه، فيضطره ذلك إلى تكوين علاقة تخادمية معه، يعطيه ويأخذ منه، يعينه ويستعين به، وهذا من أعظم الشواهد على حكمة الله تعالى في تدبير شؤون الخلق.

وقد حَثَّ الله في كتابه الكريم على التعاون والتكافل وقضاء حاجة المحتاج، وأخبر أن ذلك من الإيمان بل لا يكمل إيمان من دونه إذ قال: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ..."﴿2/ المائدة﴾. وذَمَّ مَنْعَ العَون عن المُحتاج فقال: "وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ"﴿7/ الماعون﴾. وقد جاءت هذه الآية الكريم في سياق الحديث عن الذي يُكَذِّب الدين.

من جهة أخرى يحُثُّ الإسلامُ المسلمَ على الاستغناء ما أمكن عن غيره، ويحثُّه على الاعتماد على نفسه في كل مجال يمكنه ذلك، وإذا لم يمكنه ذلك فيوجِّهه إلى أن يطلب العَون من كرام الناس لا من لئامهم، وقد كان الإمام أمير المؤمنين (ع) يدعو الله فيقول: "اللّهُمَّ، لا تَجْعَلْ بي حَاجَةً إلى أَحَدٍ مِنْ شِرَارِ خَلْقِكَ وَلِئَامِهِمْ، فَإنْ جَعَلْتَ لي حَاجَةً إلى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، فَاجْعَلْهَا إلى أَحْسَنِهِمْ وَجْهاً وَخَلْقاً، وَخُلُقاً، وَأَسْخَاهُمْ بهِاَ نَفْساً، وَأَطْلَقَهُمْ بِهَا لِسَاناً، وَأَسْمَحَهُمْ بِهَا كَفّاً، وَأَقَلَّهُمْ بِهَا عَلَيَّ امْتِنَاناً".

وقال (ع): "قُلتُ: اللّهُمَّ لا تُحوِجني إلى أحَدٍ مِن خَلقِكَ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ (ص): يا عَلِيُّ لا تَقولَنَّ هكَذا، فَلَيسَ مِن أحَدٍ إلّا وهُوَ مُحتاجٌ إلَى النّاسِ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللّهِ فَما أقولُ؟ قالَ: قُل: اللّهُمَّ لا تُحوِجني إلى شِرارِ خَلقِكَ.قُلتُ: يا رَسولَ اللّهِ، ومَن شِرارُ خَلقِهِ؟ قالَ: الَّذين إذا أعطَوا مَنّوا، وإذا مَنَعوا عابوا" 
 
ولك قارئي الكريم أن تتخيَّل حراجة موقفك إذا ما أحوجتك الأيام أن تطلب حاجتك من لئيم واللَّئيم هو: الشَّحيح والدَّنيء النَّفس والمَهين والخَبيث، وهذه الصفة مدعاة الشُّحِّ والبُخل والدَّناءَة وعدم صفاء القلب، وقد تؤدي بصاحبها للحسد والحِقد والغِّلِّ على الآخرين والانتشاء بما يصيبهم ويحدث لهم من مصائب وابتلاءات.

وتَخَيَّل موقفك وأنت تبذل ماء وجهك بين يدي، لئيم حقود خبيث الطبع، يمنعك إن سألته، ويمنُّ عليك إن أعطاك، فماذا سيكون لون وجهك وأنت تسأله الحاجة، وهو يلقاك بوجه مُكفَهِرٍ عَبوس؟

وإذا كان أصل السؤال من الناس مكروه، والاستغناء عنهم إن أمكن ممدوح بلا شك، فإن السؤال من اللئيم يذيب ماء الوجه بين يديه، واللئيم لا يحفظ الكرامة، فالسائل منه يبذل كرامته في الموضع الخطأ، كمَن يبذل ماله لمن لا يشكره، أو يستقِلُّه، على أن بذل لهؤلاء يُنسى أثره، أما بذل ماء الوجه أمام اللئيم الحقود فجرحه لا يندمل أبداً.

إن للحاجات أهلاً ادَّخرهم الله لها فاحرص أن تطلبها منهم، إنهم أولئك الذين يشعرون بك، ويتعاطفون معك، ويتقرَّبون إلى الله تعالى بخدمتك وقضاء حاجاتك، إن أعطوك أعطوك بيُسْرٍ وسهولة، وسُرور بما وفقهم الله إليه، ولا يهينونك ولا يُذِلُّونك، وكان مما أوصى به الإمام أمير المؤمنين ابنه الحسن المجتبى (ع) أن قال له: "يا بُنَيَّ، إذا نَزَلَ بكَ كَلَبُ الزَّمانِ وقَحْطُ الدَّهرِ، فعلَيكَ بذَوِي الأُصُولِ الثابِتَةِ والفُروعِ النابِتَةِ، مِن أهلِ الرَّحمةِ والإيثارِ والشَّفَقَةِ، فإنّهُم أقضى للحاجاتِ وأمضى لِدَفعِ المُلِمّاتِ".
 
بذل الوجه إلى اللئام الموت الأكبر، إذ لا يكون منهم إلا العُسر والنَّكَد والخشونة في التعامل، لا يرأفون بالناس، ولا يرحموهم، ولا يحفظون لهم كرامة ولا مكانة.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنیة السيد بلال وهبي
 
captcha