
رُوِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "سُكْرُ الْغَفْلَةِ وَالْغُرُورِ أَبْعَدُ إِفاقَةً مِنْ سُكْرِ الْخُمُورِ"
مرضان خطيران إن لم يسارع المرء إلى علاجهما وقع في الكثير من الموبقات والآثام والابتعاد عن الله سبحانه، وعن الناس، واحتقارهم، والاستخفاف بهم. إنهما مرض الغفلة ومرض الغرور.
أما الغفلة: فإنها تؤدي إلى غفلة الإنسان عن مصالحه الواقعية الحقيقية، وصيرورته أسيراً لأهوائه وشهواته، وإن من آثارها انكباب المرء على اللحظة الراهنة دون الالتفات إلى مستقبله الدنيوي والأخروي، والإعراض عن الله، فيتكاسل عن الطاعات، ويستصغر المحرمات، ويُفرِط في ارتكاب المعاصي، ويسترسل في الخطأ والانحراف، ويُضَيِّع وقته في اللَّهو واللَّغو، وينهمك في توفير حاجاته المادية وينسى حاجاته الروحية،لا يهتم إلا بالطعام والشراب واللذائذ وجمع المال، وقد يُبتلى بحالة من السُّعار في هذا المجال حتى لا يرضيه شيء، ولا يُشبعه شيء، فيتصيَّده الشيطان ويستحوذ عليه، فتتعطل وسائل إدراكه، ويقسو قلبه، وتموت مشاعره وعواطفه، فيظلم ويجور ويتمادى في الباطل، حتى لا يكون منه إلا السُّوء والشرُّ.
ولا ينتهي أمر الغافل عند ما سبق، بل ينتهي به الحال إلى أن ينسى نفسه فيغفل عنها وعن سلبياتها وإيجابياتها فيخفق في ترويضها وتطويرها، ويغفل عن حاجاتها المعنوية، ويتبلَّد ذهنه، وتُسَدُّ عليه أبواب المعرفة والتَّرقي. وهناك آثار خطيرة أخرى يغني عن ذكرها ما سبق.
أما الغُرور: والذي هو عبارة عن نظرة خاطئة إلى الذات، واستسلام الشخص لِوَهم أنه يتمتع بقدرات خارقة، وميزات تميزه عن سواه من البشر، فيدفعه ذلك إلى احتقار الآخرين، والتعالي عليهم، والتصرُّف معهم بصَلافة وعَجرَفة، ويَدَّعي معرفة كل شيء، ويعتَدُّ برأيه، ويُقَلِّل من قيمة آراء الآخرين، ويرفض أيّ نُصْحٍ أو توجيه أو نَقْدٍ منهم ولو كان إيجابياً، فيمنعه ذلك من التطور والتقدم، ويحجب عنه عيوبه ومساوئه، ويحرِمه من الاعتبار والاتعاظ، ويصدّه عن الاستفادة من تجارب الآخرين ونجاحاتهم، فيمتلئ بالعيوب والنواقص.
وقد أثبت المتخصصون النفسيون أن المُبتَلى بالغرور يعيش حياته في قلق واضطراب من ذَمِّ الناس له، أو عدم ثنائهم عليه، وقد يُفرِط في الهَوَس بمظهره وإنجازاته، ويصبح شخصاً عدوانياً في تعامله مع الغير، فتتحطم علاقاته بالناس إذ يصعب عليه أن يتعامل معهم بشكل سَوِيّ، وتصبح تصرُّفاته عشوائية غير مدروسة، ويستخف بالقيم الأخلاقية ويتجاوزها.
إننا نعرف عن السُّكارى أنهم يفيقون بعد ساعتين أو ساعتين، أو يوم أو يومين لكن سكارى الغفلة والغروي لا يفيقون، يزدادون مع الأيام سكرا وغفلة ويدخلون في غيبوبة فكرية ونفسية عميقة، وقد يتحولون إلى مصدر خطر على غيرهم، وخطورتهم أعلى من خطورة السكران بسُكر الشراب، فذاك لا يضرّ إلا نفسه، أما هؤلاء فإن دائرة ضررهم أوسع وأشمل.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
twitter