
ورُوِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "شَرُّ النّاسِ مَنْ كانَ مُتَتبِّعا لِعُيُوبِ النّاسِ عَمِيّا عَنْ مَعايِبِه".
كالمَنهوم بالمال يبحث عمّا في الأرض من كنوز، يحفر هنا وهناك، وكاللِّص يدخل بيوت الناس خِلسة يبحث عما في خزائنهم من مجوهرات، كذلك بعض الناس، وهم كثير للأسف تراه مَنهوماً في تتبع معايب الناس وعثراتهم وأخطائهم وسقطاتهم، يتتبعها تتبع الجائع الذي طال جوعه، أو العطشان الذي لم يشرب الماء لأيَّام انقضت، حتى إذا عرف عنهم شيئاً ارتاح إلى ذلك كأنه وجد روحه، وانطلق يُسَلِّي أصدقاءه بذكر عيوب من اطلع على عيوبه، يفضحه بين أيديهم، وينتشي لذلك نشوة المنتصر، ويفاخر مفاخرة العالم بما لم يعلمه الناس، ويلهو عن معايبه، وكله عيوب، ولو لم يكن فيه عيب سوى عيب تتبع عيوب الناس لكفاه ذلك عاراً وشَناراً، ينَصِّب من نفسه مُؤدِّباً وهو أحوج إلى التأديب ويتوهَّم أنه أصلح الناس وهو أكثرهم فساداً وإفساداً، ويحسب أنه على خير، وهو شَرُّ الناس وأقبحهم فعلاً، وأرذلهم أخلاقاً، وأكثرهم خطراً على سلامة المجتمع واستقامته.
لقد فَشا هذا الخُلُقُ الذميم في الناس حتى ليكاد ينتشر في معظمهم، فالكثير منهم ابتُلِيَ بهذا البلاء الخطير، ترى هذا يتتبع عيوب ذاك، وذاك يتكلم عن عيوب هذا، وتراه بين الأقارب والأرحام، كما تراه بين الجيران وأهل المحلَّة والقرية، وبين الموظفين والعاملين في هذه المؤسسة أو تلك، وتَعاظَم في الآونة الأخيرة بعد وَفرَة وسائل التواصل التي يمكن لمن يُتْقِنُ التعامل مع برامج التجسُّس أن يدخل إلى خصوصيات الناس ويسرقها على غفلة منهم، منتهكاً حرماتهم، ومعتدياً على كراماتهم، وقد يبتزُّهم بما اطلع عليه، ولا يكاد يمر يوم إلا وتنتشر أخبار الفضائح من مصادر معروفة أو مجهولة، والأسوأ من ذلك أن وسائل إعلامية (صفراء) تجدها متخصصة في تتبع أخطاء وزلات وخصوصيات القادة والمسؤولين والمشاهير، وتتسابق فيما بينها على نشرها.
ما يؤسَف له أن الناس يتلقَّون تلك العيوب بِنَهَم، ويباشرون نشرها في مختلف الأوساط، ويقضون ليالِيَ وأياماً يتفكَّهون بها ويتسامرون، ناهشين بَدَنَ ذلك المسكين الذي عرفوا عَيبه ماضغين لحمه، ناسين أن الله تعالى غير غافل عنهم، بل سيجزيهم بأسوأ ما كانوا يفعلون، ويصيبهم بمثل ما أصابوا من أخيهم، فيعاقبهم بمن يتتبع عيوبهم، ويهتك أستارهم، ويفضحهم على الملأ.
وماذا ينفعه انشغاله بمعايب الناس؟! هل يزيد علمُه؟! وأيُّ علم هذا؟! علم يسيء إليه ويسيء إليهم، والحياة الاجتماعية بمنية على الستر والخفاء والخصوصية. فلو ظهرت معايب الناس لبعضهم فلن تستقيم حياتهم، ولن تستقِرَّ علاقاتهم، بل تسود بينهم القطيعة، وتنعدم الثقة، وفي ذلك من المساوئ ما لا يمكن حصره.
إن تتبع عيوب الناس من أقبح الأعمال وأرذلها وقد نهى الإسلام عن هذا الفعل الخطير وأعلن أنه حرام، واعتداء سافر على خصوصيات الآخرين، وذَنب كبير لا يغفره الله حتى ولو تاب منه الشخص إلا إذا غفر له الشخص المُعتَدى عليه.
كما أعلن الإسلام أن متتبعَ عيوب الناس شَقي ظالم لغيره، وظالم لنفسه، وأن انشغاله بعيوب الناس يُنْسِيه عيوبه، ويلهيه عن أخطائه، فتزداد عيوبه وتتعاظم أخطاؤه حتى لا يعود مُمكِنا الستر عليه فتُهتَكُ أستاره، وتفشو أخباره، فيحتقره الناس كما احتَقَر غيره.
فالأحرى بالإنسان العاقل الذي لا يرضى أن يتتبع الآخرون عيوبَه، أو يطلعوا على أخطائه، أو يحشروا أنوفهم في خصوصياته، الأحرى به أن ينشغل بنفسه، فيراقبها ويكتشف عيوبها، ويعمل على تهذيبها من الرذائل فهذا أصلح له ولغيره، وقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، وَطُوبَى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ، وَأَكَلَ قُوتَهُ، وَاشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ فَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شُغُل، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَة".
بقلم الباحث اللبناني في الشؤون القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: