ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة..

مَنْ كانَ صَدُوقاً لَمْ يَعْدَمِ الْكَرامَةَ

22:00 - March 07, 2025
رمز الخبر: 3499296
بيروت ـ إکنا: إن العقل يحثُّنا على الصدق في جميع الأحوال والمواطن، ويعتبره أمراً واجباً وضرورياً وليس اختيارياً، والله تعالى يدعونا إلى ذلك، ويدعونا إلى أن الانحياز إلى الصادقين والكون معهم أينما مالوا نميل وأين ساروا نسير.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ كانَ صَدُوقاً لَمْ يَعْدَمِ الْكَرامَةَ".
 
معادلة تقوم على العلاقة الجوهرية بين الصدق كصفة أخلاقية عُليا وبين الكرامة، أي الشرف والوَقار الذي يُستمدُ من الاستقامة في القول والفعل، وتؤكد على أن الصدق ليس قيمة أخلاقية نظرية وحسب، بل هو أساس لا غِنى عنه لبناء الكرامة الشخصية والمكانة الاجتماعية، فالإنسان الصادق بتصرُّفاته ومواقفه وخياراته يحتفظ بكرامته مهما كانت التحدّيات والظروف المحيطة به. 
 
المعادلة التي بين أيدينا تكشف عن العلاقة السببية بين الصدق والكرمة، الصدق يُنتِج الكرامة حتماً، وهذه سُنَّة إلهية جارية ما جرت الحياة الإنسانية في الدنيا، الصادق يُكرمه الله إما بتأييده في الدنيا أو بمنحه المقام السَّنيّ في الآخرة، والصادق يُكرمه الناس، ويُقدِّرونه ويمنحوه ثقتهم ومحبتهم. 

وكما أن بين الصدق والكرامة علاقة السبب والمُسبَّب، فكذلك في الجهة المقابلة علاقة سببية بين الكذب والهوان والذل والسقوط، وقد أشار الإمام أمير المؤمنين (ع) إلى ذلك إذ قال: "الصدقُ يُنجِي وَالكَذِبُ يُرْدي".
 
الكرامة قارئي الكريم ليست هِبة تُمنح من الآخرين، بل هي حالة نفسية داخلية تتشكل من الصدق والصفاء والنزاهة، وتتجلّى من خلال الالتزام بالمبادئ الإيمانية السامية، والقيم الآخلاقية الرفيعة، ومنها الصدق مع الذات والآخرين، فالشخص الذي يلتزم بالصدق في أقواله وأفعاله وكل حال من أحواله، فإنما يفعل ذلك من احترامه لذاته وتقديره لنفسه، وهذا يعزِّز بلا شَكٍ احترام الآخرين له، ويعترفون بمكانته الرفيعة فيهم.
 
الثّقة التي يبنيها الفرد من خلال صدقه تُعدُّ أساساً للعلاقات الإنسانية السليمة، فالصدق يساهم في خلق بيئة اجتماعية تقوم على الصدق والصفاء، وهذا بالضبط ما تجلّى في شخصية رسول الله محمد بن عبد الله (ص) الذي أطبق قومه على وصفه بالصادق الأمين، وكان صدقه الذي عُرِف به عاملاً حاسماً في الإيمان بنبوّته والاستجابة لدعوته.
 
إن العقل يحثُّنا على الصدق في جميع الأحوال والمواطن، ويعتبره أمراً واجباً وضرورياً وليس اختيارياً، والله تعالى يدعونا إلى ذلك، ويدعونا إلى أن الانحياز إلى الصادقين والكون معهم أينما مالوا نميل وأين ساروا نسير، يقول سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"﴿التوبة: 119﴾
 
وأكَّدت الروايات الشريفة على أن الصدق عِماد الإسلام، ورأس الدين، ومن أقوى دعائم الإيمان، وجمال الإنسان، وجاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "الإيمانُ أَنْ تُؤْثِرَ الصِّدقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ، على الكِذْبِ حَيْثُ يَنفَعُكَ".
 
على أساس ما تقدم، من الضروري لكل فرد منا أن يتحلّى بالصدق في جميع أحواله، فإن الصدق منجاة على كل حال، ولا يخسر الصادق أبداً، ولو خسر بالصدق أمراً أو مالاً فإنه يربح نفسه ويربح كرامته ويعيش مرتاح الضمير، ويلقى الله تعالى آمناً مطمئناً.
 
قد يقال: إن أهل الصدق يعانون في الدنيا كثيراً من المَرارات، ويواجهون الكثير من الضغوطات، وقد يُضطهدون، ويُعتدى عليهم، ويُمنعون من حقوقهم، ويُقتلون.
أقول: صحيح هذا أمر لا يُنكر، لأنه كثير، وما عشناه ونعيشه في أيامنا هذه شاهد على ذلك، لكن مظلومية الصادقي، والضغوط التي تمارَس عليه، لا يعني أنه مُهانٌ ذليل مهتوك الكرامة، بل العكس هو الصحيح، فإن الله يُظهِر كرامته في العالمين، ويجعل ذكره خالدا في الناس، ويصيِّره مثلاً أعلى لكل حر شريف، فضلاً عمّا يُظهِره الله من كرامته في الآخرة يوم يقتصُّ لهم حقهم من ظالميهم.
 
بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
captcha