
رُوِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ لَمْ يُهِنْهَا بِالْمَعْصِيَةِ".
معادلة تقوم على الربط بين حرص الإنسان على كرامته، وبين اجتنابه ذاتياً كل ما لا يليق بها ويتسبب لها بالإهانة والمذلة والهوان، من المعاصي والذنوب والفواحش والموبقات، وتبيِّن أن اجتناب المؤمن لما سبق ليس بالضرورة أن يكون الدافع إليه خوف العقاب أو طلب الثواب الإلهيين، بل هو الحرص على كرامته وشرفه، فمن يؤمن بكرامته لا يرضى أن يكون منه عمل ينتقص منها ويحطُّ من قيمتها، قل أو كثر، سواء نهى الله عن ذلك أم لم ينهَ، مع التأكيد على أن الدين عقيدة وشريعة وقِيَماً أخلاقية يهدف إلى حفظ كرامة الإنسان وصونها عمّا لا يليق بها، فكل ما أوجبه الله على الإنسان يهدف إلى جلب النفع المعنوي والمادي له، وكل ما حرَّمه الله عليه يهدف إلى دفع المفسدة المعنوية والمادية عنه.
إقرأ أيضاً:
إن المعاصي على أنواعها وأحجامها تنتقص من كرامة الإنسان، وتسيء إلى منزلته أمام ذاته، وبين يدي الله والناس، فالعاصي يهين نفسه ويذلّها ويحتقرها، والإمام أمير المؤمنين (ع) يقدم لنا في جوهرته الكريمة ميزانا دقيقاً للعلاقة بين النفس والمعصية، وهو ميزان الكرامة الإنسانية التي يجب أن تصان دائماً أبداً، والتي إذا ما أهينَت أفقدت الإنسان ميزته الأهم التي ميَّزه الله بها عن سائر الخلق، وارتضاه خليفة عنه في الأرض بدل سواه.
والنفس الكريمة تُجِلُّ ذاتها عن ارتكاب المعصية والتلوُّث بأدران الخطيئة، المعصية من الإنسان لا تسيء إلى الله تعالى ولا تضرُّه، بل تسيء إلى العاصي وتهينه وتضره، وجرأته على المعصية ليس لا تنال من قدرة الله وعظمته، بل تكشف عن ضعف إرادة الإنسان وهوانه وذُلِّه أمام شهواته وأهوائه.
إن الله تعالى كرَّم الإنسان، ومنحه الأفضلية على سواه من المخلوقات، وأنه خليفة الله في الأرض، ومن يهتم لكرامته لا يرضى البتة بأن يسيء إليها بارتكاب المعاصي واكتساب الآثام والذنوب، لما في ذلك من الاستخفاف بمقامه الذي شرَّفه الله به، قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴿الإسراء: 70﴾.
بلى، إن من أعظم صور الإكرام للنفس صيانتها عن الذنوب والفواحش والبوائق، والحرص الدائم على طهارتها وصفائها وخلوصها من الرذائل الأخلاقية، وأن يكون الشخص رقيباً على نفسه، حساساً تجاه ما يُسيء إليها، يستحيي من نفسه أن يكون منها انحراف سلوكي قبل أن يستحي من الناس.
النفس الكريمة تأبى العصيان، وترفض الدنس، وتترفَّع عن كل ما ينال من كرامتها وشرافتها، أما النفس الدنيئة فهي التي تميل إلى الذنب، وتسقط أمام الشهوات، وتستعبدها الغرائز، ولا ترى لذاتها قيمة يجب أن تحافظ عليها.
وإن الذي يحرص على كرامته، ويُقدِّر ذاته لا ينظر إلى المعصية كمخالة شريعة، بل يراها خيانة لنفسه وامتهاناً لها، وتنازلاً عن كرامتها، وبيعاً لشرفها بأبخس الأثمان.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي