ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة....

المسالمة قوّة أخلاقية ومعنوية

22:36 - June 17, 2025
رمز الخبر: 3500593
بيروت ـ إکنا: إن كلام الإمام (ع)  نهج حياة يُحتذى، وفي عالم يزداد فيه التناحر وتضيق فيه الصدور، نحن بحاجة ماسّة إلى من يسالم الناس ليكسب السلامة، ويبتعد عن العداء لئلا يحصد الندامة، والمسالمة ليست ضعفاً، بل قوّة أخلاقية ومعنوية، ومَن اتبع هذا النهج، نجا في دنياه وآخرته.

المسالمة قوّة أخلاقية ومعنويةورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ سالَمَ النّاسَ رَبِحَ السَّلامَةَ، ومَنْ عادَى النّاسَ اسْتَثْمَرَ النَّدامَةَ".

ومعادلة تقوم على الربط بين مسالمة الناس والسلامة، وبين معاداتهم والندامة في الدنيا والآخرة، وتنبهنا إلى ضرورة اجتناب العداوة مع من يُسالمنا منهم، فلا نبدأهم بالعداوة، بل نكون لهم سِلماً ما داموا مسالمين.

 أما أولئك الذين يُعلنون العداوة ويُضمرون الشرَّ لنا، ويمكرون بنا، فهؤلاء لا خيار لنا إلا مواجهتهم، حتى يرتدعوا عن عداوتهم، ويرجعوا عن غِيِّهم وظلمهم، والمؤمن سِلمٌ لمن سالمه، وحربٌ لمن حاربه، وقد فصَّل الله هذا الأمر، وبيَّن ما يجوز وما لا يجوز منه بقوله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿8﴾ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿الممتحنة: 9﴾.


إقرأ أيضاً:


فالآيتان الكريمتان تبينان الموقف الإسلامي من مسألة السلم والعداء، من يكون لنا سلماً نُسالمه، ونبرُّه، ونُقسط إليه، أياً يكن معتقده، ومن يعادينا ويبغي الشَّرَ لنا ويكون لنا حرباً نعاديه، ولا نتولّاه.  

وبعد هذه المقدمة أرجع إلى الجوهرة التي نبحث فيها: "مَنْ سالَمَ النّاسَ رَبِحَ السَّلامَةَ، ومَنْ عادَى النّاسَ اسْتَثْمَرَ النَّدامَةَ".


فمن سالم الناس يعني: من تصرَّف معهم بلين وتسامُحٍ وتعامل إيجابي، ربح السلامة، أي فاز بالعافية، وتجنَّب المشاكل، وسلِمَ من الفتن والعداوات، والتعبير بالربح إشارة إلى أن التعامل الإيجابي مع الناس هو بذاته صفقة رابحة، أما الذي يعادي الناس، ويتصرَّف معهم بعدوانية وقسوة، فإنه يستثمر في العداوة إذ يدخل معهم في صراعات لا تنتهي وعداوات تدوم، ولا يجلب إلى نفسه إلا الحسرة والندامة.

وبهذا يتبين أن قول الإمام أمير المؤمنين (ع): "مَنْ سالَمَ النّاسَ رَبِحَ السَّلامَةَ، ومَنْ عادَى النّاسَ اسْتَثْمَرَ النَّدامَةَ" ليس ناظراً إلى العلاقة بين الإنسان وبين أعدائه الذين يبغون الشَّر به، فإن لهؤلاء شأن آخر لأنهم هم الذين يبادرون إلى عداوته، ويبغون اجتثاثه، فمثل هؤلاء لا يمكن مسالمتهم لأنهم لا يقبلون بالسلام، فمسالمتهم ذُلٌ وهَوانٌ، والتجربة المعاصرة في الإقليم شاهد صادق على ذلك.

ولهذا فإن خطاب الإمام (ع) موجَّه إلى الشخص الذي لديه علاقات طبيعية مع محيطه الاجتماعي الذي يسالمه ولا يبغي الشرَّ به فلا ينبغي له أن يعاديه، بل يسالمه، ويعامله بلطف ومودة، فالمسالمة هنا ضرورية يأمر بها العقل والفطرة والدين، حتى ولو بَدَر منه عداء أو خصومة عابرة، فالتعامل معه يكون بما أوصانا الله به بقوله: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿فُصِّلَت:34﴾. هذا الدفع للعدوان يُفضي إلى السلامة من المشاكل والفتن، ويحفظ للإنسان وقاره وراحته النفسية. 


أما من يختار طريق العداء مع الناس المحيطين به، سواء كان عداءً شخصياً، أو مبنياً على الحسد أو الكبر أو سوء الظن، فإن عاقبته ستكون الندم، لما يجنيه من صراعات وخسارات مادية ومعنوية.

إن كلام الإمام (ع)  نهج حياة يُحتذى، وفي عالم يزداد فيه التناحر وتضيق فيه الصدور، نحن بحاجة ماسّة إلى من يسالم الناس ليكسب السلامة، ويبتعد عن العداء لئلا يحصد الندامة، والمسالمة ليست ضعفاً، بل قوّة أخلاقية ومعنوية، ومَن اتبع هذا النهج، نجا في دنياه وآخرته.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي

captcha