ایکنا

IQNA

جواهر علوية...

مَنِ اسْتَدامَ الْهَمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ الْحُزْنَ

22:46 - July 28, 2025
رمز الخبر: 3501101
بيروت ـ إکنا: إن العاقل هو الذي يُحسِنُ إدارة مشاعره تجاه ما يهجم عليه من هموم، فيعطيها وقتها الملائم، ولا يزيد عليه، ولا يسمح لها أن تصبح عادة تتملَّكه، ويعمل على أن يُسَرِّي عن نفسه.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنِ اسْتَدامَ الْهَمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ الْحُزْنَ".
 
في زمنٍ يسود فيه القلق والتوتر، ويستبدُّ فيه الاكتئاب في كثير من الناس، وتتكاثر فيه الهموم، وتهجم فيه الغموم من كل حدَبٍ وصَوبٍ، وتتناسل فيه الآلام والأحزان كما تتناسل الجراثيم، تبرز هذه المعادلة كقبس يضيء لنا طريق الخروج من جميع ذلك، أو التخفيف من وطأته على أقل التقادير، يعيد لنا توازننا النفسي والمعنوي، وينتشلنا من براثن الهَمِّ المُزمِن.
 
الهمُّ: هو انشغال البال بالمكروه، أو ما يُخشى وقوعه في المستقبل، أما الحزن، فهو استقرار هذا الشعور وانغراسه في النفس، حتى يصير حالاً من أحوالها لا عارضاً عَرَض عليها، فالهَمَّ من شأنه أن يكون عابراً ينتفي بانتفاء أسبابه، أما إذا تملَّك الإنسان ودامت سيطرته عليه تحوَّل إلى حُزنٍ مقيم، ولذلك نجد الإمام أمير المؤمنين (ع) يحذِّرنا من استدامة الهَمِّ، ولا ينفي عروضه على الإنسان، لأن الحياة لا يمكن أن تخلو منه، فالهُموم والغُموم مكوِّن رئيسي من مكوِّناتها.

مِمّا لا شكَّ فيه قارئي الكريم، أن الله تعالى وهب النفس البشرية القدرة على التكيّف مع ما يهجم عليها من أحوال وأعراض، ومن هموم وغموم وأحزان، ومن فرح وسرور، لكن هذه القدرة تعمل بنحوين اثنين: 

النحو الأول: أن تتكيَّف مع ذلك ويكون تكيُّفها مصحوباً بالطمأنينة والسكينة، وهذه هي النفس المطمئنة، العارفة، التي فهمت طبيعة الحياة على حقيقتها، وأن الهَمَّ لا يدوم كما السُّرور لا يدوم، وأسلمت أمرها لله تعالى، موقنة أنها في عينه التي لا تنام، وأنه يرعاها، ويجعل لها من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هَمِّ فرجاً، وأصدق مثال على ذلك ما ذكره الله تعالى في كتابه المجيد حاكياً ما حدث لرسول الله وصاحبه في غار ثور حين هجرته من مكة إلى يثرب، قال تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿التوبة:40﴾. 

وقال تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴿25﴾ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴿التوبة:26﴾. 
 
النحو الثاني: أن تتكيَّف مع ذلك ويكون تكيفها مصحوباً بالهَمِّ والقلق والتوتُّر، أي تستديم ذلك حتى تفقد قدرتها على الصمود والثبات، عندئذٍ يستولي الحُزن الدائم عليها، فيستحيل الإنسان إلى وجود قَلِقٍ حزين. 
 
في هذا السياق، تحضر صورة الإنسان المعاصر: المُربك بأعباء المعيشة، المهدَّد في مستقبله، المحاصر بالمخاوف الوجودية، خصوصاً في عالمنا العربي والإسلامي، وفي لبنان بالأخص، هذا الإنسان، إن لم ينتبه، يتحوّل إلى آلة لتوليد الهَمّ واستدامته، وبالتالي إلى ضحية دائمة للحزن القاهر.
 
إذاً: فرقٌ كبير وكبير جداً بين أن نشعر بالحزن، وأن نغرق فيه، الحزن حين يغشى الإنسان لفترة وجيزة، قد يُنضِج قابلياته ويصقل قواه النفسية، ويمنحها بعداً إنسانياً عميقاً، أمّا إذا أصبح عادة له، ونمط تفكير، وسلوكاً مستديماً، فإنه يصير عبئاً ثقيلاً عليه، يعطِّل إدراكه، ويمنعه من التفكير، ويحجب عنه الضوء الماثل نهاية النفق، لذلك يوصينا الإمام أمير المؤمنين (ع) ألّا نمنح للهَمّ إقامة دائمة في قلوبنا، وألّا نستسلم له استسلام الخانع الضعيف.
 
إن العاقل قارئي الكريم هو الذي يُحسِنُ إدارة مشاعره تجاه ما يهجم عليه من هموم، فيعطيها وقتها الملائم، ولا يزيد عليه، ولا يسمح لها أن تصبح عادة تتملَّكه، ويعمل على أن يُسَرِّي عن نفسه، بالانشغال بأشياء تنسيه ذلك، من قراءة، أو عبادة، أو رياضة، أو ممارسة هواية، أو خروج في نزهة، أو زيارة صديق، أو مشاهدة أمر مُسلٍّ، أو سوى ذلك.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
 
captcha