"بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على النور الأتم محمد وآل محمد.
(إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)
التاريخ يصنع الحاضر، والخطاب الصادق يبني القلوب، والحقيقة لا يمكن أن تختفي بالرغم من جولة الباطل.
علينا أن نتذكّر اليوم ودائماً في خضم هذا العالم المتسارع والمتغيّر، أن الحاضر الذي نعيشه ليس حدثاً عشوائياً، ولا هو مجرد لحظة عابرة، بل هو نتاج التاريخ الذي صنعه الإنسان، وحيّز من أحداثه وقراراته ومواقفه. والتاريخ حين نقرأه بوعي، يكشف لنا أكثر من مجرد وقائع؛ فهو مرآة تعكس لنا الدروس والعبر، ومن أعظم تلك الدروس، المظلومية التي عاشها الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه في مواجهة الظلم والطغيان، والتي تركت أثرها الباقي عبر القرون.
إقرأ أيضاً:
إن هذه المظلومية ليست مجرد حدث بعيد، بل هي نموذج حي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والألم يصنع المعجزات، فالزهد في الدنيا، والإخلاص في الدفاع عن الحق ومهما كانت التحديات، فهي تعلمنا أن المبادئ والقيم لا تُقاس بالقوة المادية أو بالأعداد والكثرة بل بالإيمان الصادق والعزيمة الراسخة، وبأن كل إنسان قادر على أن يكون قوة فاعلة في المجتمع إذا كان قلبه مخلصاً وعقيدته ثابتة.
في عالم اليوم، حيث التكنولوجيا تتسارع، ووسائل الاتصال والابتكار تتطور بسرعة غير مسبوقة، قد يبدو للبعض أن القوة الفعلية هي في امتلاك الأجهزة والأنظمة المتقدمة، لكن الواقع يثبت أن الصدق في القلب والثبات على المبادئ، وفهم الإنسان لأدوات العصر، هي التي تصنع الفرق الحقيقي. فالتكنولوجيا وحدها لا تنقذ أمة، بل الإنسان الملتزم بالقيم هو من يوجّهها نحو البناء والنهضة.
لقد شهد التاريخ أمماً قامت على تقدم تكنولوجي بحسب زمانها، لكنها سقطت حين فقدت قيمها أو رجالها المخلصين، بينما أمم أخرى، بسيطة في أدواتها، قوية في مواقفها، ووفية لمبادئها، صنعت التاريخ وخلّدت أسمائها، وهذه الحقيقة تذكّرنا اليوم أن الأمة التي تملك الثبات العقائدي والوعي بالقيم الأخلاقية، هي التي تستطيع استخدام كل تطور وتكنولوجيا لصالحها ، ولا تهوى الانجراف وراء التقدم وحده.
إننا اليوم أمام تحدٍ مزدوج: تحدي العصر المادي، وتحدي الحفاظ على القيم والهوية. فمن يملك قلباً صادقاً وعقيدة ثابتة، ويتعلم كيف يستخدم التكنولوجيا ويستفيد من التطورات، هو الذي يحقّق التغيير الحقيقي بسرعة، ويترك أثره في الحاضر والتاريخ كما تركه الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه.
وبذلك، يصبح درس التاريخ اليوم رسالة عملية لكل جيل إن البناء الحقيقي للأمة لا يكون بالقوة المادية وحدها، بل بمزيج من المبادئ الراسخة، والرجال المخلصين، والوعي التكنولوجي، والقدرة على توظيف العصر في خدمة الإنسان والمجتمع. هذه هي الركائز التي تمهّد لدولة الحق والعدل ، دولة تُبنى على الثبات ، لا على اللحظات العابرة ، دولة تضمن أن يبقى صوت الحق خالداً في كل زمان ومكان.
إن فهم هذا السياق يجعلنا ندرك أن رسالتنا اليوم ليست فقط متابعة التطورات والتقنيات، بل أن نزرع القيم في أنفسنا وفي مجتمعاتنا، ونصنع أجيالاً قادرة على الجمع بين القلب الثابت، والفكر الواعي، والعمل المخلص، لنواصل مسيرة التاريخ التي بدأت بمظلومية الإمام الحسين(عليه السلام)، ونحقق النهوض الحقيقي للأمة في هذا العصر.
فالصرخة الحسينية: مثلي لا يبايع مثله. وهيهات منا الذلة. لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل. شاء الله أن يراني قتيلاً. وغيرها وغيرها ….أقوى من كل تكنولوجيا العالم فآلة الإنسانية تبقى هي المحور لكل ألات الإنسانية، والله تعالى بالمدد الغيبي يصنع ما لا يصنعه كل العالم مجتمعاً على الظلم. إنها الحقيقة عزيزي لمن عرفها ووثِق بها.
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية "الشيخ نبيل أمهز"