
من كانت أعماله صالحة، وجهوده حَسَنَة مُتقَنَة كانت عواقب أمره خيراً، هذه هي المعادلة التي ينبهنا إليها الإمام أمير المؤمنين (ع)، وهي معادلة تربط بين حُسن العمل والنتائج الطيِّبة.
ومِمّا لا شكَّ فيه أن حًسن السَّعي يشمل الدِّقة، والإتقان، والإتمام، والإكمال، والإتيان بالعمل على الوجه الذي ينبغي أن يُؤتى به، كي لا تذهب الجهود التي يبذلها الشخص هباءً منثوراً، فحُسن السَّعي أهمُّ من السَعي نفسه، فرُبَّ شخص يسعى ولا يُحسِن سعيه فلا يصل إلى النتيجة المتوخَّاة، وهنا يكمن الفرق بين الناس، فمنهم من يسعى ولكنه لا يجيد سعيه فيخفِق ويفشل، ومنهم من يسعى ويُحسِنُ السَّعيَ، ويُتقِنُ العمل فينجح.
فالمساعي قارئي الكريم، هي الجهود التي يبذلها الإنسان في طريقه نحو غاياته، سواء في طلب العلم، أو السَّعي للرزق، أو خدمة الناس، أو تزكية النفس، فإذا كانت هذه المساعي حًسَنة، بحيث اقترنت بالإتقان من الصلاح، والإخلاص، والعدل، والرحمة، والوعي، فإنها تصير كالغَرس الصالح في الأرض الطَّيِّبة، وحينذاك، تأتي "المراعي" وهي تعبير عن النتائج الطَّيِّبة، تأتي طيِّبة، سليمة، يجد المرء فيها راحته، ويحقق بغيته.
أما إذا فسَدَت المساعي، فكانت ناقصة، أو سقيمة، أو مصحوبة بالظلم والغِشِّ فإن المراعي التي يصل إليها الإنسان تتحول إلى أراضٍ مجدبة، قد تُظهِرُ وفرةً ظاهرية، لكنها سرعان ما تجفّ وتيبس، وتكون العواقب وخيمة، والفشل محققاً.
وهكذا يقرِّر الإمام (ع) قاعدة مهمة في العمل، ما يكون حسناً صالحاً مُتقَناً لا بد وأن تأتي نتائجه كما يشتهي العامل، وكل جُهدٍ ولو كان صغيراً إذا وُضِعَ حيث يجب وفي الوقت الملائم فإن نتائجه ستكون طيِّبة مثمرة.
ولذلك جاء التأكيد الكثير على ضرورة إتقان العمل، وأن الإتقان أهمُّ من العمل ذاته، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "إنَّ اللَّهَ تَعالى يُحِبُّ إذا عَمِلَ أحَدُكُم عَمَلاً أن يُتقِنَهُ".
ورُوِيَ أيضاً عن الإمام الصادق (ع) أن قال: "إنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله نَزَلَ حَتّى لَحَدَ سَعدَ بنَ مُعاذٍ وسَوَّى اللَّبِنَ عَلَيهِ، وجَعَلَ يَقولُ: ناوِلْني حَجَراً، ناوِلْني تُراباً رَطْباً، يَسُدُّ بِهِ ما بَينَ اللَّبِنِ، فلَمّا أن فَرَغَ وحَثا التُرابَ عَلَيهِ وسَوّى قَبرَهُ، قالَ رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله: إنّي لَأعلَمُ أ نَّهُ سَيَبلى ويَصِلُ إلَيهِ البَلاءُ، ولكِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ عَبداً إذا عَمِلَ عَمَلاً أحكَمَهُ".
نستنتج مِمّا سبق: ضرورة إتقان العمل، وإكماله، والإخلاص فيه، والتقرُّب به إلى الله تعالى حتى ولو كان عملاً دنيوياً بحتاً، كتجارة يتاجر بها، أو زرع يزرعه، أو إصلاح بين متخاصِمَين، أو تعليم جاهل أو سوى ذلك من الأعمال والمساعي.
بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي