ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ كَثُرَ تَعَدّيهِ كَثُرَتْ أَعاديهِ

22:46 - September 24, 2025
رمز الخبر: 3501752
بيروت ـ إکنا: إن الله ينهى عن التعدِّي على الآخرين، وينهى عن ظلمهم والتجاوز عليهم، بالقول والفعل، وينهى عن الإعانة على ظلمهم، ويوجِب على المعتَدى عليه أن يرُدَ العدوان عن نفسه وماله وعرضه وأرضه.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ كَثُرَ تَعَدّيهِ كَثُرَتْ أَعاديهِ".
 
معادلة بديهية تشهد لها التجربة الإنسانية الطويلة، الذي يُكثر من التعدي على الآخرين، ويتجاوز حدوده الشرعية والأخلاقية معهم، ويظلمهم، فمن المقطوع به أن يكثر أعداؤه وكارهوه وخصومه، لأن العدوان لا يُقابَل بالورود والترحيب، ولا يقبله صاحب حق، وذو كرامة وشرف، لأن الإنسان مفطور على كراهة الظلم، مجبول على ردِّ العدوان، حتى لو سكت ولاذ بالصَّمت لعجزه عن مواجهة العدوان، لكن قلبه يُشحَن بالبغض والعداوة ضد من تعدَّى عليه وظلمه.
 
إن الله ينهى عن التعدِّي على الآخرين، وينهى عن ظلمهم والتجاوز عليهم، بالقول والفعل، وينهى عن الإعانة على ظلمهم، ويوجِب على المعتَدى عليه أن يرُدَ العدوان عن نفسه وماله وعرضه وأرضه، إن الله تعالى يقول: وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿البقرة: 190﴾ فالله تعالى ينهى عن العدوان نهياً صريحاً مؤكَّداً، ويبغض المعتدين، لِما في العدوان من ظلم صريح لا تستقيم معه الحياة الإنسانية، ولا يستقرُّ لها حال، ولِما يؤدي إليه من قلاقل اجتماعية، وتدمير للممتلكات، وإزهاق للأرواح بغير حق. 

ويدعو من جهة أخرى إلى ردِّ العدوان، وحرب المعتدي حتى يتوقف عن عدوانه ويرجع عن ظلمه، لأن العدو الغاشم يستسهل العدوان، ويستمر فيه إذا لم يجد أمامه من يواجهه ويردَّ عليه، قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿البقرة: 194﴾ فالاعتداء المحظور هو ما كان ابتداءً من غير سبب، أما ردُّ العدوان فسببه العدوان نفسه، والعدوان يتحمل تبعاته ونتائجه من ابتدأه، سواء كان فرداً أو جهة، ولكن، لَمّا كان عدوان المعتدي باعثاً على النِّقْمَة منه، جاء قوله تعالى: "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" ضابطاً لمشاعر الانتقام من العدو المُعتدي، مُذَكِّراً المُؤمنين بالتقوى في هذا الموطن، فلا يأخذون أكثر من حقهم في تأديب العدو، وكسر شوكته، فإذا تخلَّوا عن التقوى في هذا الموطن تخلَّى عنهم عون الله ونصره.
 
إن النفس البشرية تميل إلى احترام من يحترمها ويصونها، وتمقت بل تعادي من يسيء إليها ويعتدي عليها، وهذا يتسق تماماً مع ما يُعرَف في الفيزياء بالقانون الثالث من قوانين الحركة ومفاده أن "لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه" هذا القانون ليس محصوراً في صعيد واحد، بل يتسع ليشمل كل الصُّعُد، فالعُدوان يولِّد عدواناً مضاداً، والظلم يستدعي مقا.و.م.ة، والمحبَّة تستجلب المحبة، والاحترام يقابل بالاحترام، والإحسان يُجازى بالإحسان، والكلمة الطيِّبة تستجلب الكلمة الطيِّبة.
 
وبهذا تتجلَّى الآثار الاجتماعية والسياسية لمعادلة: "مَنْ كَثُرَ تَعَدّيهِ كَثُرَتْ أَعاديهِ" فالفرد الذي يعتدي على الآخرين ويظلمهم ويستهين بهم لا يفقد ثقتهم وحسب، بل يُولِّد عداوة مضادة له في نفوسهم، والحاكم الذي يتعدَّى على شعبه بالظلم والقهر والاستبداد يرد عليه شعبه بالعداوة والثورة لإسقاطه.
 
يُشار إلى أن المتعدِّي قد يتوهَّم بداية الأمر أنه قد ربح الجولة، وفرض خياراته بالقوة، وانتصر على المُعتَدى عليهم، لكنه نصر زائف في حقيقة الأمر، ووهم سرعان ما يتبدَّد، لأن عدوانه يفتح عليه أبواب العداوة والنَّقمة، والمعتَدى عليه سيواجهه عاجلاً أو آجلاً، وستكون الجولة النهائية له، لأن العدوان لا يُكتَب لها النجاح نهاية الشوط.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha