ولقبول الاستغفار وطلب المغفرة، من الأفضل التوسل باسم ربوبية الله لتشمل هذه الرحمة العبد. هذه النقطة يمكن استنتاجها من تعابير "رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا" (آل عمران: 16) و"رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا ... رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا" (آل عمران: 193) و"رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا" (الأعراف: 23)؛ لأن الستر والعفو من شؤون الربوبية.
ومن الآداب الأخرى للاستغفار هي الالتفات إلى ولاية الله المطلقة. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: "رَبَّنَا وَ لَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا" (البقرة: 286). أدب الدعاء يقتضي أن نقرّ بضعفنا أولاً: "لَا طَاقَةَ لَنَا" ثم نلتفت إلى ولاية الله ونشهد: "أَنْتَ مَوْلَانَا" ثم نطرح حاجتنا.
إقرأ أيضاً:
في تعبير "وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا" يطلب الإنسان من الله جميع مراحل اللطف؛ المرحلة الأولى هي العفو وهو محو آثار الذنب والعقاب. المرحلة الثانية هي المغفرة ومحو آثار الذنب من الروح، والمرحلة الثالثة هي الاستفادة من رحمة الربّ والانتصار على الكافرين.
أصحاب النبي موسى (عليه السلام) بعد رؤية جميع المعجزات، كانوا لايزالون يطلبون رؤية الله أو سماع صوته، بينما كان هؤلاء السبعون مختارين من بين سبعمائة شخص ذهبوا إلى جبل الطور وأصابهم غضب الله؛ لأن من رأى معجزة لا ينبغي له أن يتعلل. قال النبي موسى (عليه السلام) بعد ذكر مقدمات الدعاء لربّه: "أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَ ارْحَمْنَا وَ أَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ" (الأعراف: 155).
في هذه الجملة القصيرة، ذكر النبي موسى (عليه السلام) دعاءه بين صفتين من صفات الله تعالى ثم طلب حاجته؛ إحداهما صفة الولاية التي تختص بمقام الربوبية "أَنْتَ وَلِيُّنَا" والأخرى مغفرته التي هي خير المغفرات: "وَ أَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ". اعتبر النبي موسى (عليه السلام) ذكر هاتين الصفتين كافياً ولم يصرح بحاجته الأصلية. فبدلاً من الدعاء لإحياء رفاقه، ذكر حاجة هي في الواقع أفضل حاجة يحبّ الله أن يطلبها عباده.