ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

النبي(ص) فضّل مُرِّ الحصار والجوع على ذُلِّ الخضوع

16:22 - January 22, 2023
رمز الخبر: 3489612
بيروت ـ إکنا: لقد صبر النبي (ص) وصحبه على مُرِّ الحصار والجوع، وفَضَّله على ذُلِّ الخضوع، وكان يرى النصر يلوح أمام عينيه، وأنه في عين الله، وأن الله لن يهمله، ولن يخيب أمله.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "الجُوعُ خَيْرٌ مِنْ ذُلِ الْخُضُوعِ".

حِينَ يضعك الطغاة بين خيارين لا ثالث لهما، إما الجوع، والفقر، والحاجة، والحصار الاقتصادي والمالي، أو الخضوع، والاستسلام، والانكسار، والتبعية، والذُّلّ، والهَوان، فعليك أن تختار الأول وتأبى الثاني، فالجوع وإن كان صعباً وقاسياً ومُنهِكاً لكنه يبقى الخيار الأفضل والأسلم، فجوع مع كرامة أفضل من خضوع وذِلَّةٍ ومَهانة.

قد لا يروقُ هذا الموقف لذوي الهِمَم الدانية، الذين يعتقدون أنهم مجرد كائنات وُجِدت لتأكل وتشرب، وتغذي شهواتها، وتستجيب لغرائزها، وتعيش كيفما كان حتى تنقضي أيامها في هذه الدنيا، وليفعل الطغاة والظَّلَمة فيها ما يفعلون، وليقرروا مصائرها وحاضرها ومستقبلها كما يشاؤون، ولكن ذوي الهِمَم العالية الذين يعتقدون بأنهم أهل كرامة وعنفوان وإباء، وأن الله فضلهم بهذا على سواهم ممن خلق، فإنهم يختارون الجوع على الخضوع. "فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدًى، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ" كما يقول الإمام أمير المؤمنين في رسالته إلى عامله على البصرة عثمان بن حُنَيف الأنصاري.

في الصراع مع الطغاة عليك أن تتوقع منهم أيّ شيء، إنهم لا يرعوون عن أي وسيلة من وسائل الضغط عليك ليسلبوك حريتك وقرارك، يضغطون عليك في مأكلك ومشربك، ويضغطون عليك في دوائك، ويحاصرونك مالياً واقتصادياً، ولا يهمهم أن تجوع وتعرى وتمرض، ولا يَرُفُّ لهم جَفنٌ ولو مات جَرّاء ذلك الآلاف، المهم عندهم أن تخضع وتَذِلَّ لهم.

لقد اعتمد الطغاة هذا الأسلوب على طول التاريخ، جَوّعوا الشعوب البريئة المستضعفة، وجَوّعوا الصالحين والصادقين، وجَوّعوا الأنبياء والقادة الربانيين، فها هم طغاة مكة يحاصرون رسول الله (ص) الذي كانوا يجمعون على نعته بالصادق الأمين، ويأتمنونه على أموالهم ومدخراتهم وأعراضهم، يحاصرونه في شعب أبي طالب ثلاثاً من السنين، يمنعون عنه وعن أنصاره الطعام والغذاء، يهدفون من وراء ذلك إلى إخضاعه وتراجعه عن دعوته، وهي دعوة مشحونة بالخير لهم، وهو الذي جاءهم بالكرامة والشرف والعِّزَّة.

ولقد صبر النبي (ص) وصحبه على مُرِّ الحصار والجوع، وفَضَّله على ذُلِّ الخضوع، وكان يرى النصر يلوح أمام عينيه، وأنه في عين الله، وأن الله لن يهمله، ولن يخيب أمله، فهيأ الله الأسباب، وجعل له وِداً في قلوب أهل يثرب الذين أقبلوا عليه مؤمنين برسالته، مبايعين على نصرته، ولم تمضِ سنوات قليلة حتى رجع إلى مكة فاتحاً وهو يقول للذين حاصروه وجوعوه: اذهبوا فأنتم الطُّلَقاءُ.

نفس الأسلوب يستعمله طغاة اليوم، يحاصرون ويجوِّعون جميع المجتمعات التي تصِرّ على حريتها واستقلالها وكرامتها، وهي رغم قَسوة الجوع، وحراجة الظروف لم تزل صامدة، وستبقى صامدة إيماناً منها بالمبدأ العَلَوي الكريم: "الجُوعُ خَيْرٌ مِنْ ذُلِ الْخُضُوعِ" وستنتصر إن شاء الله تعالى.


بقلم الکاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha