رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ قَدِرَ عَلى أَنْ يُزِيْلَ النَّقْصَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ".
والكمال لله وحده. جَلَّ من لا يُخطِئ. العِصْمَة لأهلها. جملٌ نبرِّرُ بها للخطأ حين يبدر مِنّا أو من غيرنا، أو عدم إصلاحنا للنقص الذي نتصف به، نريد من ذلك التخفيف من سلبيات الخطأ، والتقليل من النقص الذي فينا.
إنَّ الكمال لله. أمر لا نقاش فيه، وجَلَّ من لا يُخطئ وهو الله تعالى، الذي جَلَّ عن الخَطأ في فعله وأمره. وهذا لا نقاش فيه أيضاً. ولا نقاش في أن العصمة لأهلها، فإن المعصوم لا يقع منه خطأ، ولا يتخَلَّفُ عمّا يجب فعله، ولا يفعل ما يجب تَجَنُّبه وتركه. لكن الصحيح أيضاً أنَّ: "كُلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوابونَ" كما قال رسول الله (ص).
فماذا تعني هذه الجملة النَّبَوية الشريفة؟
إنها تعني أن بني آدم وإن كان النقص جزءاً من تكوينهم، وطبيعة من طبائعهم، لكن ذلك لا يُبَرِّرُ لهم الاستسلام لنقصهم، والتبرير لإدامة الخطأ منهم، لأن الله تعالى خلقهم ليتكاملوا، ويزيلوا النقص من نفوسهم، ودعاهم إلى مجاهدة أنفسهم في هذا السبيل، وزودهم بالأدوات التي تعينهم على ذلك، فهم قادرون على الارتقاء والتسامي، والعروج إلى الأعلى في كمالاتهم الوجودية، وإزالة ما فيهم من نقائص، والإقلاع عما يكون منهم من رذائل.
فكل بني آدم خَطَّاءٌ، لكنهم بالتوبة يرجعون عن الخطأ، ويصلحونه، وبالمجاهدة يُزيلون النقص من نفوسهم، وبها يرتقون ويتسامون، فالتوبة تعني التَّحَوّل من النقص إلى الكمال، ومن الخَطأ إلى الصَّواب، ومن العجز أمام الأهواء والشهوات إلى القدرة على التَّحكُّم فيها، ومن الضَّعف أمام الشيطان إلى القوة في مواجهته والثبات أمام إغوائه وإغرائه.
إن الشخص الذي يرضى بنقصه، ويعجز عن إصلاح نفسه وإصلاح خطئه، هو فاقد لأهم أمرين في الإنسان، الأول: رغبته في الكمال، والثاني: الإرادة والعزم، فقد خلقه الله حُرّاً مختاراً مُريداً، راغباً في الكمال، وقادراً على التكامل، ومعنى ذلك أنه قادر على تلافي النقص والتحليق عالياً في فضاء الكمال، وقادر على إصلاح نفسه وتزكيتها وتنمية فضائلها ومعالجة نقائصها، فإذا لم يفعل ذلك مع قدرته عليه لم يكن أعجز الناس وحسب، بل يكون فاقداً لأهم مقَوِّمٍ من مقوِّمات الإنسان.
ولو كان العجز عن إصلاح النفس عسيراً لما أمر الله به، إذ لا يُكَلِّف سبحانه بالمعسور، ولما كان في الناس مُفلح وخائب، والمُفلح هو الذي يُزَكِّي نفسه ويُصلحها، والخائب هو الذي يعجز عن ذلك أو يُقنع نفسه بالعجز، وهذا الاستسلام يأخذه من نقص إلى نقص، ومن خيبة إلى خيبة.
بقلم الکاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي