ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

الحَسَبُ للشخص بسبب تُخَلُّقه بالأخلاق الفاضلة

13:14 - August 04, 2023
رمز الخبر: 3492177
بيروت ـ إکنا: قد يحصل الحَسَبُ للشخص بسبب تُخَلُّقه بالأخلاق الفاضلة، وتهذيبه لنفسه، وتعويدها على الفضائل والمَكارم، وفعله المعروف، واجتنابه المُنكَرات والفاحش ما ظهر منها وما بطن. 

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "حَسَبُ الْأَدَبِ أَشْرَفُ مِنْ حَسَبِ النَّسَبِ".

الحَسَبُ: شَرَفُ النَّفْسِ أو الآباءِ، بِمعنى الصِّفاتِ الحَسَنَةِ والخِصالِ المحمودة كالشَّجاعَةِ والنُّبل، والكرمِ والجُودِ، والعلم والمعرفة، والإيثار والتضحية، والصدق والوفاء، والأمانة والعِفَّة، فهو المنزلة الثابتة للشخص في نفسه والمتولِّدة من صفاته ومناقبه، أو في آبائه وأجداده، إذا كانوا متصفين بالفضائل الراقية والمناقب العالية. والحَسَبُ مَأْخُوذٌ مِن الحِسابِ، وهو: العَدُّ، لأنّهم كانوا إذا تَفاخَروا فيما بينهم عَدُّوا مَناقِبَهُم ومَناقِبَ آبائِهِم وحَسَبُوها، فَيُحْكَمُ لِمَن زادَ عَدَده على غَيْرِهِ.
                                    
قد يحصل الحَسَبُ للشخص بسبب تُخَلُّقه بالأخلاق الفاضلة، وتهذيبه لنفسه، وتعويدها على الفضائل والمَكارم، وفعله المعروف، واجتنابه المُنكَرات والفاحش ما ظهر منها وما بطن، فيكون ذا حسب وشرف ومنزلة رفيعة وإن لم يكن له نَسَبٌ رفيع، وهذا والله أشرف الحَسَب وأعلى الرُّتَب، لأنه يأتي من جُهد ذاتي، ويكون ثمرة له، والجهد الذاتي هو الذي يصنع الإنسان صناعة قويمة ثابتة. 

أو يحصل الحَسَبُ للشخص بسبب انتسابه إلى قوم أشراف، فيَوقِّره الناس توقيراً لِنَسَبِه وحَسْب، ولكن هذا الحَسَبَ لا قيمة له في الواقع، فليس بالضَّرورة أن يكون شريفاً في نفسه وفضائله لمجرد انتسابه إلى قوم شرفاء نُبَلاء، وكم نعرف عن أشخاص ينتسبون إلى أنبياء وأولياء وعلماء وأتقياء ولم يكن فيهم شيء من إيمانهم وتقواهم وأخلاقهم وفضائلهم، بل كانوا على النقيض منهم، بل كانوا من أشد الناس اختلافاً معهم وعداوة لهم.

فهذا كنعان ابن النبي نوح لم يكن على دين أبيه فأُغرِق مع المُغرقين، ولما سأل نوحٌ اللهَ تعالى أن يُنجيه جاءه الجواب أنه ليس من أهله، قال تعالى: "وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴿45﴾ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴿46/ هود﴾*.

وذاك أبو لَهبٍ عَمّ النبي الأكرم (ص) فهو هاشمي بلا ريب، والنسب الهاشمي من أعلى الأنساب وأشرفها ولكنه لم يزل ملعوناً في القرآن وعلى ألسِنَة الأبرار في كل زمان، ويكفي ما نزل فيه في القرآن الكريم: قال تعالى: "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿1﴾ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴿2﴾ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴿3/ المسد﴾.

إن الإسلام يحترم الحَسَب النَّسَبي شَرْطَ أن ينضمَّ إليه الحَسَب الأخلاقي، لأن الصفات الأخلاقية هي الشخصية الحقيقية للإنسان، وهي الهوية التي تُعَرِّفه للناس، وعلى أساسها يتعاملون معه، فإن كان مُتَّصفاً بالفضائل وَقَّرَه الناس واحترموه، وإن كان متصفاً بالرذائل احتقره الناس واجتنبوه. 

والإسلام يؤكد في تعاليمه كلها على الحسَب الأخلاقي، حيث يُعطي القيمة لأخلاق المَرء وفعله وإيمانه والتزامه، فقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "إنّ أولَى النّاسِ بالأنبياءِ أعلَمُهُم بما جاؤوا بهِ، ثُمّ تَلا: (إنّ أوْلَى النّاسِ بإبْراهيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وهذا النَّبِيُّ والّذِينَ آمَنوا)، ثُمّ قالَ: إنّ وَلِيَّ محمّدٍ مَن أطاعَ اللّهَ وإن بَعُدَت لُحْمَتُهُ، وإنّ عَدُوَّ محمّدٍ مَن عَصَى اللّهَ وإن قَرُبَت قَرابَتُهُ".

وعليه: فإن حَسَبَ الأدَب أشرف من حَسَب النَّسَب. والأَدَبُ هو التَّخَلُّق بالأخلاق الجميلة، والخصال الحميدة في معاشرة الناس، ومعاملتهم، ويُطلق على الأخلاق نفسها، والسَّجايا الحَميدة التي يتحَلّى بها الإنسان في تعامله مع نفسه ومع الآخرين. ويدخل فيه كل ما يُرَوِّض به الإنسان نفسه ليكسبها فَضيلَة من الفَضَائِلِ، أو يُخليها عن رذيلة من الرذائل، فتكون محصلته حُسْن الأَخلاق، وفِعْل المَكَارِم. 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha