ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ لَمْ يُقَدِّمْهُ الْحَزْمُ أَخَّرَهُ الْعَجْزُ

0:20 - September 15, 2025
رمز الخبر: 3501621
بيروت ـ إکنا: إن الحزم ليس فضيلة أخلاقية وحسب، ولا مهارة للتعامل مع الحياة وحسب، بل هو شرط لبقائك فاعلاً على مسرح الحياة، فإما أن تحزم أمرك وتبادر، أو ستجد نفسك أسير العجز، وجزءاً من مشهد يقرره غيرك.

ورُوِيَ عن الإمام علِي (ع) أنه قال: "مَنْ لَمْ يُقَدِّمْهُ الْحَزْمُ أَخَّرَهُ الْعَجْزُ".
 
الناس فيما يريدون أن يفعلوا من أفعال، أو يتخذوا من خيارات، أصناف:

الصنف الأول: ضائعون تائهون حائرون، الوجهة عندهم معدومة، والبوصلة لديهم معطَّلة، لا يعرفون ما هم فاعلون، هذا الصنف تسبقه الحياة، تتقدم عنه بمسافات، وهو واقف على قارعة الطريق لا يتقدَّم خطوة إلى الأمام، الناس يمرون، يتقدمون، يُنجِزون، ينجحون، يبلغون غاياتهم، وهو واقف لا يتقدَّم خطوة، لأنه لا يعرف وجهته، ولا يعرف ماذا عليه أن يفعل، لا يعرف ماذا يريد. 

الصنف الثاني: يعرف ماذا يريد، ويعرف وجهته، والبوصلة لديه تعمل، ولكنه يفتقر إلى الحزم، يفتقر إلى المبادرة، يفتقر إلى شجاعة الإقدام، إما خشية الفشل، أو خوفاً من الكُلفَة، أو شعوراً بالعجز، أو سوى ذلك من الموانع النفسية التي تجعله حالِماً بما يريد، ولكنه عاجز عن المبادرة، وهذا الصِّنف وإن كان أفضل من سابقه، لأنه يعرف ماذا يريد، ولكنه في النتيجة معه على سواء، إذ يبقى واقفاً حيث هو على قارعة الطريق، هو أشبه ما يكون بالحالم في نومه، أو براكب دراجة يعمل محركها ولكنها مشدود بسلسلة حديدية قوية إلى صخرة كبيرة.

الصنف الثالث: يعرف ماذا يريد، ويعرف وجهته، ولديه العزم على البَدء والمبادرة والإقدام، يحدِّد الوجهة، وينطلق إليها، غير عابئ بالأثمان، ولا خائف من الفشل، لا يتوانى للحظة، فاللحظات تمضي ولا تنتظر، والفُرَص تمرُّ مرَّ السحاب، لا يتكاسل عَمّا يجب، ولا يتثاقل، ولا ينشَدُّ إلى الراحة والدَّعة، بل يحزم أمره وينطلق، يمضي على بصيرة من أمره، يشق طريقه نحو غايته بعزم، وإرادة صلبة، ويقين بأنه واصل في النهاية، لا يهاب المصاعب، ولا يئن من المتاعب، ولا توقفه العقبات.
 
في هذا السياق تأتي المعادلة التي يكشف عنها الإمام أمير المؤمنين (ع): "مَنْ لَمْ يُقَدِّمْهُ الْحَزْمُ أَخَّرَهُ الْعَجْزُ" والتي تفيد: أن الإنسان بين أمرين لا ثالث لهما، أحدهما يقع في مجال اختياره، والآخر يُجبَر عليه، فإما أن يحزم أمره ويبادر، أو يدفعه العجز عن تحقيق أهدافه وبلوغ غاياته. 
 
هذه المعادلة تؤكِّد في شقِّها الأول: على أن الحزم والمبادرة والإقدام، هو الذي يتقدَّم بالإنسان إلى الإمام، وأن فقدانه يعني العجز والضعف.
 
والحزم كما جاء في معاجم اللغة العربية هو: شَدُّ الشيء، وجمعه. والجِدُّ في الأمر والحذر من فواته والحرص على أدائه. وذكر ابن منظور في معجمه لسان العرب: الحَزْم: ضبطُ الأمر والأخذ فيه بالثقة، وهو نقيضُ التهاون.
 
وخلاصة المعنى: الحزم في اللغة هو إحكام الأمر وربطه بعزم وعقل، بحيث يُتّخذ القرار عن بصيرة وتدبير، بعيداً عن التردّد أو الارتجال، فالحزم هو القدرة على جمع الأمور ونسجها في قرارٍ يمضي بالمرء إلى الأمام، إدراكاً منه أن الحياة لا تنتظر المتكاسل المتثاقل، وأن الفرص لا تتكرَّر، بل سحابة تمُرُّ، وومضة تومض وتنطفئ، يستفيد منها اليَقِظ النبيه، والحازم المنتبه، الذي ما إن تلوح له الفرصة يقوم إليها دون تردُّد.
 
وتؤكد في شقها الثاني: على أن العجز هو الذي يملأ فراغ الحزم، فإن لم يحزم المرء أمره ويبادر، استولى عليه العجز والضعف، وكلاهما يسرقان عمره لحظة بعد لحظة، ويُغلقان عليه نوافذ الفرص التي كانت مُشرعة، فالزمن لا ينتظر أحداً، ولا يتعاطف مع العاجزين، ولا يمنحهم المزيد من الوقت، إذا لم يتقدم الحزم بالإنسان، فإن العجز سيجتذبه إلى الخلف، فالحياة حركة متواصلة، ومع كل حركة حدث بل أحداث جديدة، فإذا توقف المرء هنيهة بسبب عدم حزمه، فهو يتراجع في الحقيقة، بينما يتقدم الآخرون.
 
نستنتج مما سبق قاعدة في منتهى الأهمية: الحزم قارئي الكريم ليس فضيلة أخلاقية وحسب، ولا مهارة للتعامل مع الحياة وحسب، بل هو شرط لبقائك فاعلاً على مسرح الحياة، فإما أن تحزم أمرك وتبادر، أو ستجد نفسك أسير العجز، وجزءاً من مشهد يقرره غيرك.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha