ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ سَلَّمَ أَمْرَهُ إِلى اللّهِ اسْتَظْهَرَ

22:35 - September 22, 2025
رمز الخبر: 3501723
بيروت ـ إکنا: إن الذي يُسلِّم أمره إلى الله يستند إلى أعظم قوة قاهرة في الوجود، وإلى رَبِّ الأرباب، الذي بيده جميع الأسباب، أسباب السماوات والأرض، والذي يجعل الله ظهيره يستظهر بالربِّ الحكيم الرحيم، والرؤوف الكريم.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ سَلَّمَ أَمْرَهُ إِلى اللّهِ اسْتَظْهَرَ".
 
عندما تواجهنا أزمات الحياة، وتتقاذفنا أمواج أحداثها، وتدلَهمُّ خطوبها، وتهجم علينا الفِتَن من كل حدَب وصوب، فلا يجوز لنا أن نفرَّ من مواجهتها، ولا أن نسمح للقلق والخوف أن يستبدَّا بنا، بل نحزِم أمرنا على الصمود والمواجهة، ونهيّئ ما يمكننا من أسباب ذلك، ونتوكَّل على الله تعالى ونُسَلِّم أمورنا إليه، يقيناً منا أن الله معنا، نمضي بعينه التي لا تنام، ويكنفنا بكنفه الذي لا يُضام، فهو الظّهير والنَّصير، وهو المُعين والكفيل، وهو المُسَدِّد والهادي والمُرشد، وهو الذي لا يتخلَّى عن عباده في عُسرهم ويُسرهم.
 
الاستظهار في اللغة العربية يعني طلب العون من الظهير، والاحتماء بالظهر والسند القوي، فمن استظهر بالله تعالى فقد جعله ظهيراً وسنداً ومُعيناً ومدافعاً عنه، ومِمّا لا شكَّ فيه أن من يكن الله ظهيره ومعينه فلن يخذله الله، ولن يُسلِمه إلى النكبات، فلا تهزُّه رياح الخوف، ولا يتسرَّب إليه اليأس والقلق، ولا تنال منه قدرة مهما عتَت وتجبَّرت وطغت، ولا تفِلُّ من عزيمته الخسارات والنكسات، يعلم أنها من طبيعة الصراع، الذي يقوم على مداولة الأيام، يوم له ويوم لعدوه. 

إن الذي يُسلِّم أمره إلى الله يستند إلى أعظم قوة قاهرة في الوجود، وإلى رَبِّ الأرباب، الذي بيده جميع الأسباب، أسباب السماوات والأرض، والذي يجعل الله ظهيره يستظهر بالربِّ الحكيم الرحيم، والرؤوف الكريم، والاستظهار هذا ليس مجرد شعور نفسي بالاطمئنان، بل هو أيضاً قوة فعلية تدفعه للمضي في الحياة بيقين وثقة، ويواجه أزماتها بشجاعة وثبات، وأمل ورجاء، ويمنحه ذلك رؤية واسعة ترى الخير حتى في البلاء والمحنة، وتلمح النجاة وهو في قلب الشدائد والأعاصير.
 
وهذا القرآن الكريم ينقل لنا موقف الذين شُنَّت عليهم حروب نفسيه وإعلامية بهدف التأثير في عزيمتهم ودفعهم إلى التراجع والاستسلام من خوف، يقول تعالى: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿172﴾ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴿173﴾ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴿174﴾ إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿آل عمران: 175﴾.

بهذه الآيات الكريمات يقصُّ علينا القرآن الكريم موقف تلك النفوس الأبية الموقنة التي لا تعرف إلا الله وكيلاً وظهيراً، وترضى به وحده وتكتفي، تتكل عليه وتحتسب أمرها إليه، وتزداد إيماناً به في ساعة العُسرة والشِّدَّة، وتقول في مواجهة تخويف الناس لهم بالناس: حَسْبُنا الله ونعم الوكيل، ثم تكون العاقبة كما هو المنتظر من وعد الله للمتوكلين عليه، المكتفين به، المتجرِّدين له: فانقلبوا بنِعمة من الله وفضل لم يمسَسْهم سوء واتبعوا رضوان الله، بهذا يسجِّل الله لهم في كتابه الكريم، وفي كلامه الذي تتجاوب به جوانب الكون كله، صورتهم هذه، وموقفهم هذا، و هي صورة رفيعة، وهو موقف كريم.
 
قد يظن البعض أن تسليم الأمر لله تعالى يعني التوقف عن العمل وانتظار المعجزات، غير أن الإمام أمير المؤمنين (ع) يعلّمنا أن التسليم الحقيقي لله هو أن نبذل أقصى جهدنا، ونؤَدِّي تكاليفنا قَدْرَ استطاعتنا، ثم نترك النتائج إلى الله موقنين أننا في عينه وفي كنفه وفي رعايته، فلا نُرهق أنفسنا بلومها على ما لم يكن لنا فيه يَدٌ. 
 
بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha