ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة..

مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِه كَثُرَ السّاخِطُ عَلَيْهِ

23:32 - October 28, 2025
رمز الخبر: 3502206
بيروت ـ إکنا: قد نهى الله تعالى عن الرضا عن النفس حيث قال سبحانه: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ ﴿النجم: 32﴾.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِه كَثُرَ السّاخِطُ عَلَيْهِ".
 
لا يرضى عن نفسه إلّا شخصٌ يجهل النَّفْسَ ويجهل نفسَه، أمّا الذي يعرف النَّفْسَ وما رُكِّبَ فيها من غرائزَ وأهواءَ وشهواتٍ، ويعرف نفسَه وأنّها كسائر الأنفس غيرُ متّصفةٍ بالكمال، وأنّها كثيرةُ العِلَلِ والأماني، تُسْرِع به إلى السوء متى وجدت إليه سبيلًا، وأنّها – لما سبق – تحتاج إلى ترويضٍ وتهذيبٍ وتربيةٍ، فإنّه لن يرضى عن نفسه، ولن يرضى عمّا هي عليه، ولن يرضى عمّا يبلغه من تهذيبٍ لها، بل لن يغفل عنها، أو يوطِّن نفسه على عدم الغفلة عمّا يكون منها.
 
وممّا لا جدالَ فيه أنّ الرضا عن النفس لا يعني عدمَ الثقة بمؤهّلاتها ومهاراتها، ولا يعني انتقاصَ تقديرها واحترامها؛ فكلاهما مطلوب. وإنّ من تقدير الذات ألّا يرضى المرء عن نفسه، ومن احترامه لها ألّا يكتفي بما بلغته من درجاتٍ في تكاملها المعرفيّ والعلميّ والأخلاقيّ والسلوكيّ، وما ارتقت إليه من مراقٍ في الجانب الإيمانيّ والعباديّ.


والحقُّ – قارئي الكريم – أنّ الرضا عن النفس لونٌ من الغرور؛ إذ يغترّ المرء بنفسه فيراها كاملةً لا عيبَ فيها، وهذا من أخطر ما يُبتلى به الإنسان، لأنّه يحول بينه وبين الكمال الذي ينشده. فمعرفةُ المرء نقائصَه هي الخطوة الأولى والأهمّ في تهذيب نفسه وتنمية فضائلها. يلي المعرفةَ عدمُ الرضا عن النفس، حتى ولو كانت النفسُ حائزةً على بعض الكمالات، متّصفةً ببعض الصفات الإيجابيّة؛ فإنّ الرضا عنها والاكتفاء بما بلغته يعني القبولَ بالدُّون من المراتب، لأنّ التكامل المعرفيَّ والعلميَّ والأخلاقيَّ لا حدَّ له. ناهيك عن أنّ التوقّف عند حدٍّ معيّنٍ يعني التراجعَ والتقهقر؛ ذلك أنّ الإنسان في هذا الصعيد بين أمرين لا ثالثَ لهما: فإمّا أن يتابع صعودَه وترقِّيه، وإلّا تقهقر وتردّى في القعر.
 
ولذلك نهى الله تعالى عن الرضا عن النفس حيث قال سبحانه: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ ﴿النجم: 32﴾.  وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴿النساء:49﴾.  
 
فالآيتان الكريمتان تنهَيان عن أن يُزكّي الإنسانُ نفسه؛ أي ألّا يرضى عنها ويعتقدَ أنّه لا نقصانَ فيها ولا عيب، وأنّها قد حازت كلَّ معاني الكمال الإنساني. ذلك أنّ الإنسان غالبًا ما تخفى عليه سيّئاته وسلبيّاته وأخطاؤه، فيظنّ نفسه خيرَ الناس وأفضلهم. فالله سبحانه ينهى عن هذا اللون من الرضا المذموم بالنفس؛ فالذي يزكّي نفسه يدّعي الكمالَ لها، بينما علمُ الله هو الفاصل في معرفة الصادق من المدّعي.
 
وكما نهى القرآن عن تزكية النفس، نهى كذلك عن الغرور والعُجب، أي الإعجابِ بالنفس بحيث يرى الإنسانُ نفسه عظيمةً بما تتّصف به من صفاتٍ، أو بما يؤدّيه من أعمالٍ. وهذا ما يُسمّيه علمُ النفس الحديث "التضخيم الذاتي"، وهو يؤدّي بصاحبه إلى الهلاك؛ لأنّه يُعميه عن عيوبه ونقائصه ومعاصيه وذنوبه، فيصدّه ذلك عن طلب الكمال من جهة، ويُورِثه التعالي على الآخرين من جهة أخرى، فينعكس ذلك سلبًا على علاقته بهم وبنفسه. ففي الوقت الذي يرغب فيه بتقديرهم له وإقبالهم عليه لما يتوهّمه من كمالٍ في شخصه، نجدهم بدورهم ينفرون منه، بل وربّما يسخطون عليه.
 
ولذلك يحثّنا الإمامُ أميرُ المؤمنين (ع) – بما يرسمه من معادلةٍ دقيقة – على مراجعة أنفسنا ومراقبتها بصرامةٍ حين قال: "مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِه كَثُرَ السّاخِطُ عَلَيْهِ" فهو (عليه السلام) يُحذّرنا من الركون إلى رضاها؛ فكلّما كان الإنسانُ متلمِّسًا لعيوب نفسه، محاسبًا لها، كان أقربَ إلى الله، وإلى رحمته ومحبّته، وإلى الناس أيضًا. أمّا الذي يُمْحِضها الرضا الدائم، ويغفل عن محاسبتها، فقد سلّم قيادَه لأهوائها وغرائزها.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha