ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ هَابَ خَابَ

23:29 - December 08, 2025
رمز الخبر: 3502737
بيروت ـ إکنا: إنّ العلاقة بين الهيبة والخيبة علاقةٌ منطقية، والتجربة شاهدة على ذلك؛ فالإنسان إذا هاب الإقدامَ توقّف في مكانه، لا يتقدّم خطوة واحدة، فتضيع الفرص من بين يديه، وكانت كثيرة. والفرص لا تنتظر المترددين، والغايات الكبرى لا تُنال إلا لمن يتحرك نحوها.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ هَابَ خَابَ".
 
هي حتميةٌ بالغةُ الأهمية يقرّرها الإمام أمير المؤمنين (ع)، تُشير إلى واحدٍ من أهمّ أسباب الفشل والهزيمة في الحياة، وهو "مرض الخوف": الخوف من الناس، والخوف من الفشل، والخوف من المبادرة، والخوف من الإقدام، والخوف من المخاطرة.
 
ولكي تتضح هذه الحتمية، دعنا – أيها القارئ الكريم – نعرف أولًا المعنى الدقيق لكلمة (هاب) فقد جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس: "أصلُ الهاء والياء والباء يدلّ على خوفٍ وإجلالٍ. يُقال: هابَه إذا خافه إجلالًا له".

يُفهم من هذا أنّ الهيبة أخصّ من الخوف؛ فهي ليست مجرد رهبة أو فزع، بل خوفٌ ممزوجٌ بإجلالٍ وتعظيمٍ للمُهاب. فإذا خفتَ من أمرٍ لعظمته وقدره كانت هيبة، أمّا إذا خفتَ لضعفٍ فيك أو لشرٍّ فيه فهو خوفٌ فحسب.
 
غير أنّ المراد من الهيبة هنا ليس الوقار المحمود، بل الخوف السلبي الذي يشلّ الإرادة؛ بحيث يخاف المرء الإقدام على ما يجب، أو ما فيه مصلحة ومنفعة، أو يتراجع أمام التحديات والعقبات، أو يخشى مواجهة الضغوط، أو يهاب دفع الأثمان.
 
وعليه فإن: "مَنْ هَابَ خَابَ" إدانةٌ لهذا الخوف السلبي الذي يمنع الإنسان من الفعل، ويحول بينه وبين المبادرة، ويجعله رهينَ التردّد؛ خوفٌ يقيّد طموحه، ويقتل همّته، ويمنعه من التطور والتقدم والنجاح، فلا يُبقي له إلا الندمَ والتحسّر. فالذي يهاب ويتردّد سيصيبه ندمٌ شديد حين يرى كيف ضاعت الفرص من بين يديه، وكيف ذهب النجاح إلى غيره ممّن لم يهابوا الإقدام، ولم يخشَوا المخاطرة الواعية.
 
ولا شكّ أنّ الحياة مليئةٌ بالتحديات والمصاعب والأزمات والخصوم والمنافسين، كما أنها مليئة بالفرص، وهي جميعًا تتطلّب جرأةً وإقدامًا ومبادرةً وشجاعةً واستعدادًا للتضحية والمغامرة المحسوبة. أمّا الخوف فإنه يمنع الإنسان من الإقدام على ذلك، فإذا استولى على قلبه شلَّ طاقاته العقلية والبدنية، فلا يستطيع التفكير بحرية، ولا يجرؤ على التجربة، وبالتالي لا يكتشف قدراته الكامنة ولا يطوّر نفسه. وهذا أمرٌ مشهود؛ فما أكثر ما يمنعنا الخوف من خوض تجارب جديدة، أو الدخول في مشاريع نرى أنها ناجحة، أو سلوك مسارات نعتقد أنها ضرورية لتحقيق أهدافنا، أو خوض صراعٍ فكريٍّ وحضاريٍّ وقيميٍّ لأننا نهاب الطرف الآخر، ونخشى كلفة مواجهته! وكم من شعبٍ ما زال يرزح تحت نير الظلم والطغيان، وتُنهَب ثرواته، ويُسلب قراره؛ لأنه يهاب الظالمَ ويخاف مواجهته!
 
فالعلاقة بين الهيبة والخيبة علاقةٌ منطقية، والتجربة شاهدة على ذلك؛ فالإنسان إذا هاب الإقدامَ توقّف في مكانه، لا يتقدّم خطوة واحدة، فتضيع الفرص من بين يديه، وكانت كثيرة. والفرص لا تنتظر المترددين، والغايات الكبرى لا تُنال إلا لمن يتحرك نحوها.
 
إن الخيبة ليست قدرًا محتومًا، بل كثيرًا ما تكون نتيجةً طبيعيةً للخوف، والتردد، وتهيّب المخاطرة المحسوبة، وانعدام الإرادة. ولذا لا بدّ من تغليب الثقة بالنفس والثقة بالله تعالى على الخوف، ومن التوكل عليه، واستشعار معيته وتأييده وهدايته لسبل الفلاح والنجاح، ومن السعي الجاد لامتلاك القدرات والمهارات، ومواجهة المخاوف بالمعرفة والتخطيط والعمل المتقن، وإبطال الأساليب التي يعتمدها الشيطان لصدّ الإنسان عن الحركة إلى الأمام. قال تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴿173﴾ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴿174﴾ إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿آل عمران: 175﴾. 

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha