ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ أَحَبَّكَ نَهاكَ، ومَنْ أَبْغَضَكَ أَغْراكَ

22:17 - December 11, 2025
رمز الخبر: 3502777
بيروت ـ إکنا: إنّ المحبّة الحقيقية أن تحبَّ لمحبوبك الصلاحَ والخيرَ والنفعَ والعاقبةَ الحسنة، وأن تصونه من الوقوع في الخطأ والعصيان، وتدفع عنه الشيطان، وتحميه من العادات القبيحة السيئة.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَـنْ أَحَبَّـكَ نَهــاكَ، ومَنْ أَبْغَضَكَ أَغْـراكَ".
 
المحبّة الحقيقية ليست كلمة تُقال، ولا تلبيةً لرغبةٍ أو رغباتٍ عابرة، ولا توافقًا دائمًا في الآراء، ولا قبولًا لِما يكون من المحبوب من خطأ، ولا تغاضيًا عن انحراف أو عصيان؛ بل الحبّ مسؤولية. والمحبّة الحقيقية أن تحبَّ لمحبوبك الصلاحَ والخيرَ والنفعَ والعاقبةَ الحسنة، وأن تصونه من الوقوع في الخطأ والعصيان، وتدفع عنه الشيطان، وتحميه من العادات القبيحة السيئة.

والبُغضُ ليس أن تمنع المبغوضَ ممّا يحب، ولا أن تحول بينه وبين ما يشتهي، ولا أن تجلب إليه ما يعتقد ضررَه؛ فهذا النحو من البغض يتنبّه إليه المبغوضُ بلا شك، فيحذر ممّن يبغضه ويجتنبُه. أمّا البُغض الحقيقي فهو أن تُظهر للطرف الآخر أنك تحبه وأنت تكيد له في الخفاء، أن تقدّم إليه وردةً بيدٍ لتطعنه بالأخرى، أن تراه يغرق فلا تنتشله، ويخطئ فلا تُصوِّب خطأه، ويذنب فلا تردعه عن الذنب، وينحرف فلا ترده إلى الطريق؛ وأن تُغريه بلذّاتٍ حاضرة وتُنسيه العملَ لعاقبته وآخرته.
 
الحبّ مسؤولية، والعداوة غواية، فالمحبّ لا يتركك لهواك، بل يقودك نحو رشدك، ولو خالفتَ أهواء نفسك. وهكذا يصبح النهيُ عن الخطأ أسمى صور المودّة، ويغدو الإغراء بالباطل أو الصمت عن الزّلل أبشعَ صور البغض.
 
لنأخذ مثال الوالدين اللذين يُدلِّلان الولد؛ فيمنحانه كلَّ ما يطلب، ويشتريان له كلَّ ما يرغب، ويتركانه على راحته من دون تأديب، ولا يُبادران إلى تصويب أخطائه بحجّة أنه ما يزال صغيرًا. يفعلان ذلك من حبهما له، فيبدوان كأنهما يحبّانه، ولكنهما في الحقيقة يدمّرانِه. والوالدان الحكيمان المُحبّان حقًا هما اللذان يضعان للولد حدودًا تمنعانه من تخطّيها، ويمنعانه ممّا يؤذيه نفسيًا وروحيًا وأخلاقيًا، كما يمنعانه ممّا يؤذيه بدنيًا. قد يبدوان قاسيين في هذا النمط من التعامل، ولكنهما في الحقيقة يفعلان ذلك رأفةً ولطفًا به، لأنهما يريدان مصلحتَه الحقيقية والبعيدة، وعاقبتَه الحسنة.
 
وفي الصداقة الحقيقية، فصديقك الذي يوافقك على كل آرائك، وينسجم معك على الرغم من أخطائك، ويتركك تفعل ما تشاء وأنّى تشاء وكيف تشاء من دون أن يحذّرك أو ينهاك أو ينصحك، قد يمنحك شعورًا لطيفًا بالراحة، لكنه في حقيقة الأمر يلقي بك في بؤرٍ مظلمة، وفي قاعٍ سحيقٍ لا تخرج منه. يراك تغرق أمام عينيه فلا يمدّ يده إليك لينقذك. أمّا صديقك الحقيقي فهو الذي يقول لك: «لا» عندما تريد أن تنزلق نحو الخطأ والذنب، وهو الذي يمنعك ممّا تهوى إن كان في ذلك هلاكُ نفسك أو دينك أو ذهابُ كرامتك أو مالك. صديقك الحقيقي هو الذي يُصوِّب أخطاءك، وينتقدك بلطف أو بقسوة إذا تطلّب الأمر، وهو الذي يحرص على نفعك الحقيقي ونموّك الحقيقي، ويساعدك على تطوير مهاراتك وزيادة علمك وتهذيب أخلاقك، ولا يرضى لك أن ترتاح لحظةً إذا كانت تلك اللحظة العابرة ستودي بك إلى المهالك؛ لأنه يحبك أكثر مما يحب راحتك، يحبك الآن ويحبك بعد عشرات السنين، ويريد لك أن تكون من أهل الفلاح والسعادة في دنياك وآخرتك.
 
فالحبّ، يا أخي، يتجاوز بالمحبّ والمحبوب اللحظةَ الراهنة، ويمتد إلى المستقبل البعيد، ويتطلَّع إلى خطّ النهاية، إلى الآخرة، يريد لك أن تفوز هناك، وأن ترتاح هناك، وأن تنعم بالسعادة الحقيقية، كما يريد لك أن تنجح في حياتك الدنيا؛ فيحرص على نُصحك وإرشادك وتقويم أيّ اعوجاجٍ سلوكي يراه منك.
 
ومثلُ هذا الشخص تمتدّ صداقته إلى ما بعد الحياة الدنيا، تمتدّ إلى الآخرة، وتُخلَّد بخلودها. أمّا الذي يُبغضك حقيقةً، فإنه وإن عاملك بلطف، وإن دفعك إلى ما تظنّه مصلحةً لك، فهو في الحقيقة عدوٌّ خبيث، وشيطانٌ مريد؛ فمثل هذا تنقطع صداقته في الدنيا، فضلًا عن الآخرة.

قال الله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴿27﴾ يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴿28﴾ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴿الفرقان: 29﴾.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha