ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ أَضاعَ عِلْمَهَ الْتَطَمَ

21:58 - December 18, 2025
رمز الخبر: 3502867
بيروت ـ إکنا: إن العلم الذي لا يُصان يصير حُجَة على صاحبه، ويجلب إليه الذلَّ والهوان بدل أن يرفع مقامه عند الناس وعند الله تعالى، فكم من إنسان يعلم الكثير، ويملك آلاف الكتب، ولكنه لا يستفيد من علمه، وحين يقف على مفترق طرق بين الخير والشر، يختار الشر، وبين الهدى والضلال يختار الضلال، فمثله كمثل الحِمار يحمل أسفارًا.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ أَضاعَ عِلْمَهَ الْتَطَمَ".
 
ومفتاح فهمنا لهذه الحتمية يكمن في كلمة "التطم" ولكن قبل التوقف عند معناها، ينبغي أن تعرف قارئي الكريم أن إضاعة العلم تعني: إهماله، والتفريط به، وعدم العمل والانتفاع به، وعدم مذاكرته وحفظه ما يؤدي إلى نسيانه، ووضعه في غير محله وغير القادر على حمله، أو استخدامه للشَّرّ والإضرار بالنفس أو بالآخرين أو بالطبيعة، فجميع هذه المعاني تعني إضاعة العلم، وعدم رعايته حق الرعاية.

فأما "التَطَمَ" فأصل اللَّطم هو الضرب، ومنه اللطم على الصدور، يُقال: "التطمت الأمواج" أي تضاربت واختلطت ببعضها البعض بعنف، والمعنى العام للكلمة هو: الاضطراب الشديد، والتخبُّط، والحيرة، والارتباك، واختلاط الأمور على صاحبها، واصطدامها بعضها ببعض.
 
بما تقدم يتضح لنا المعنى العام لقول الإمام (ع): "مَنْ أَضاعَ عِلْمَهَ الْتَطَمَ" أي من أهمل علمه، أو لم يعمل به، أو لم يرعه حق رعايته، أو وضعه في غير موضعه، اضطربت نفسه، وتخبّط فِكره، واضطرب أمره، واختلطت عنده الحقائق بالأوهام، كما تتلاطم الأمواج حين تعنف.
 
العلم قارئي الكريم بل نور يقذفه الله في قلب الإنسان فيوجهه في مسارات الحياة، ويقوده في دروبها، ويمنحه القدرة على التعامل الواعي مع حقائقها وأحداثها، ويجعله عارفًا بموضع أقدامه، فلا يخطو خطوة إلا بعلم، ولا يقبل أمرًا أو يرفضه إلا بعلم، فإذا أضاع الإنسان علمه، انطفأ ذلك النور، وذهبت بصيرته، وانفرط عقدُ توازنه النفسي، فيضيع ويتوه كما يتوه من فقد البوصلة وهو في صحراء مترامية الأطراف، فترك العلم فقدٌ للاتجاه، والنتيجة الحتمية هي الضياع، وذهاب الطمأنينة، واضطراب النفس. 
 
إن العلم الذي لا يُصان يصير حُجَة على صاحبه، ويجلب إليه الذلَّ والهوان بدل أن يرفع مقامه عند الناس وعند الله تعالى، فكم من إنسان يعلم الكثير، ويملك آلاف الكتب، ولكنه لا يستفيد من علمه، وحين يقف على مفترق طرق بين الخير والشر، يختار الشر، وبين الهدى والضلال يختار الضلال، فمثله كمثل الحِمار يحمل أسفارًا، أو كالذي قال عنه الله تعالى في كتابه الكريم: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴿175﴾ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿الأعراف:176﴾.

فهذه صورة بئيسة لإنسان يؤتيه الله آياته، ويكسوه من علمه، ولكنه ينسلخ من هذا كله انسلاخًا، ينسلخ من آيات الله، وينحرف عن الهدى ليتبع الهوى، فيصبح غرضًا للشيطان لا يقيه منه واقٍ، ولا يحميه منه حام، فيتبعه ويلزمه ويستحوذ عليه، فإذا بهذا المخلوق، لاصقا بالأرض، ثم إذا هو مسخ في هيئة الكلب، يلهث إن طورِد ويلهث إن لم يُطارَد.
 
وما أصدق قول رسول الله (ص): "الْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ، فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا ارْتَحَلَ" فالعلم إذا وجد باب القلب موصَدًا رحل، وترك صاحبه في فراغٍ تتلاطمه أمواج الضياع. 

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha