ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ..

السياسة بجميع معانيها تتطلَّب الاحتمال، والصبر

0:14 - November 15, 2022
رمز الخبر: 3488568
بيروت ـ إکنا: السياسة بجميع معانيها تتطلَّب الاحتمال، والصبر، والإطاقة، والالتزام، والتُّؤَدة، والرَّوية، واللّطف، والذَّكاء، والفِطنة، والوعي، والرِّفق، والحِلمَ، وسعة الصدر، وحسن التدبير، فإن كان المَرء يسوس نفسه فهو محتاج إلى الصبر عليها.

السياسة بجميع معانيها تتطلَّب الاحتمال، والصبر

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "الاحْتِمالُ زَيْنُ السِّياسَةِ"

السياسة: التدبيرُ والقِيام على الشيء، يُقالُ: ساسَ الأمرَ، أي: دَبَّره وقام بأمره، وتأتي بمعنى الرئاسة والسيادة، يُقالُ: ساسَ الوالي الرَّعِيَّة، أي: تولَّى قيادتهم ورئاستهم، وتأتي بمعنى الترويضُ والتدريبُ، كقولهم: ساسَ فرَسَه، أي: رَوَّضه ودَرَّبه، ومن معانيها: الإصلاح والتربية والرعاية والاهتمام.

وعُرِّفت كذلك بأنها: فَنُ أو علم إدارة المجتمعات الإنسانية، وقيل: إن السياسة دوليًّا: فن الممكن بين الحكومات والشعوب. وتنظيميًّا: مجموعة من المبادئ الاقتصادية، والإصلاحية، والخدماتية، يتم تنفيذها داخل الدولة، تحت إطار قانون داخليّ يخص الدولة نفسها، ويخدم مواطنيها.

من مجموع التعريفات اللغوية والاصطلاحية يتبين لنا أن ما من أحد من البشر إلا وهو سائِسٌ لغيره مِمّن يقع تحت ولايته، كسياسة ذاته وتدبير شؤونها وترويضها وصيانتها وتربيتها وتزكيتها، وسياسة شؤونه الفردية، وسياسة عمله، وسياسة أسرته إن كان ذو أسرة، وسياسة علاقاته مع الآخرين، وسياسة أي شيء يملكه، أو يقع في مجال اهتمامه أو تحت سلطته.

والسياسة بجميع معانيها تتطلَّب الاحتمال، والصبر، والإطاقة، والالتزام، والتُّؤَدة، والرَّوية، واللّطف، والذَّكاء، والفِطنة، والوعي، والرِّفق، والحِلمَ، وسعة الصدر، وحسن التدبير، فإن كان المَرء يسوس نفسه فهو محتاج إلى الصبر عليها والرِّفق بها حتى يتمكن من ترويضها، وإن كان يسوس أسرته فهو محتاج إلى الرفق بأفراده، والحلم عنهم، وحسن التدبير لشؤونهم، والصبر على حاجاتهم، وإن كان يسوس موظفيه فهو محتاج إلى احتمال ما يكون منهم من تقصير غير متعمد، أو خلاف يقع بينهم، أو نفورهم، أو غضبهم، أو مطالبتهم بحقوقهم أو ما يرونها حقوقا لهم، وإن كان يسوس الناس فهو بحاجة إلى احتمال ما يبدر منهم من اعتراض، أو نقد، وقبول ما يُبدونه من آراء وما يختلفون عنه في وجهات نظرهم.

وهذا ما نراه في رسول الله (ص) الذي ساس الجماعة المؤمنة الأولى وربّاها، وهذَّبَ نفوسها، وأخرجها من الظُّلُمات إلى النور، قال تعالى في وصف حِلمه واحتماله وعطفه وحُنُوِّهِ ورأفته ورحمته: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"*﴿159/ آل عمران﴾ فلو كان (ص) فظاً غليظ القلب ما تألَّفَت حولَه القلوب، ولا أقبل الناس عليه بمشاعرهم الطيبة وعواطفهم الصادقة، فهم بحاجة إلى كَنَفٍ رحيم، وعاطفة نبيلة، ورعاية فائقة، وإلى من يسعهم بودّه ورحمته، ويقابلهم ببشاشته وبسماته، وحليم لا يضيق بجهلهم وضَعفهم ونقصهم، وعظيم يحمل همومهم ولا يُشغِلِهم بهمه.

وقال تعالى: *"لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"*﴿128/ التوبة﴾ فالرسول (ص) من أنفسهم، وبَضعة منهم، وهو متصل بهم صلة النفس بالنفس، يسوسهم برحمة ولطف، ويشق عليه عنتهم ومشقتهم، وهو حريص عليهم لا يلقي بهم في المهالك، ولا يدفع بهم إلى المهاوي، فما يأمرهم بأمر إلا من حرص عليهم وعلى سعادتهم، ولا ينهاهم عن أمر إلا من حرص عليهم ورحمة بهم.

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "السيد بلال وهبي"

captcha