ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ....

لكل مخلوق من خلق الله أجلٌ قدَّره الله له

9:24 - December 14, 2022
رمز الخبر: 3489024
بيروت ـ إکنا: إن لكل مخلوق من خلق الله أجلٌ قدَّره الله له، لا يتأخر عنه ولا يتقدم عليه، والمراد منه موعد المَوت، والمَوت هو الانتقال من ضفة الدنيا إلى ضفة الآخر.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "الأَجَلُ حِصْنٌ حَصينٌ"

واعلم قارئي الكريم أطال الله عمرك ووفقك، أننا ما خُلِقنا لهذه الحياة الدنيا، بل خُلِقنا للآخرة، فإن "غَايَةُ الْحَيَاةِ الْمَوْتُ"، وما حياتنا هذه إلا محطة على طريق سفرنا إلى هناك، ذلك الطريق الذي بدأناه مذ كُنّا في أصلاب أسلافنا وآبائنا ننتقل من صُلبٍ إلى صُلبٍ، ومن رَحِمٍ إلى رحم، وانتهى بنا إلى هذه اللحظة التي تقرأ فيها هذه الكلمات، وما زال أمامنا مرحلتان يجب أن نقطعهما حتى تبدأ حياتنا الحقيقية الخالدة وفق عقيدتنا التي أثبتتها الرغبات الفطرية والبراهين العقلية والشواهد الواقعية، والمرحلتان هما: مرحلة البرزخ التي تفصل بين الحياة الدنيا وبين القيامة، ومرحلة القيامة التي يعيدنا الله فيها أحياء كما بَدَأَنا أوَّلَ مرة.

ولكل مرحلة مُدَّة مُقَدَّرة في علم الله تقديراً صارماً لا تتقدم عليها ولا تتأخر عنها، لأن أمرها بيد الله القادر على كل شيء، والقاهر لكل شيء، فقد جعل لها آجالاً في منتهى الدِّقة والصَّرامة، وهي تحدث في إطار تلك الآجال وفق تقدير عام للخلق كله يراعي مصلحته التامة الكاملة.

ثُمَّ إن لكل مخلوق من خلق الله أجلٌ قدَّره الله له، لا يتأخر عنه ولا يتقدم عليه، والمراد منه موعد المَوت، والمَوت هو الانتقال من ضفة الدنيا إلى ضفة الآخر، قال تعالى: "وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"﴿11/ المنافقون﴾. وقال تعالى: "وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا..." ﴿145/ آل عمران﴾. 

المَوت بيد الخالق وليس بيد المخلوق، الله قَدَّره وشاءَه، والمخلوقات أجيال، يأتي جيل ويموت جيل، إنهم يُستَبدَلون لغاية اقتضتها حكمة الخالق الحكيم، وذلك يقتضي أن يكون لكل فرد أجله المَرسوم ولن يَموت حتى يستوفيَه، فلو حدث له ما يحدث، ولو أصيب بالأمراض ما أُصيب، ولو اجتمع عليه الخلق كلهم ليقتلوه قبل حُلول أجله فلن يقدروا على شيء من ذلك، تلك حقيقة مشهودة وليست وهماً أو تنظيراً، فأنا أعلم عن كثير من الأشخاص أن أجلهم حَصَّنهم من الموت، أعلم عن كثير كيف أن الأجل أمسك بأيدهم ودفع الموت عنهم، لأن أجلهم لم يحن يومذاك، أعرف أشخاصاً مات كل من كان معهم، وقذف بهم عصف الانفجار أمتاراً عديدة وما ماتوا، لأن مدة حياتهم في الأرض لم تكن قد انتهت، فلما جاء الأجل ذهبوا ولم يتأخَّروا ثانية عن الوقت المُحَدَّد رغم احتشاد الأطباء والممرضين من حولهم، فالأجل إذا حِصنٌ حصينٌ، قبل حلوله لن يموت المَرءُ، وحين حلوله لن يتأخَّر لحظة. فكَفَى بِالْأَجَلِ حَارِساً، وكفى بالْأَجَلُ جُنَّةٌ، ولَا جُنَّةَ أَوْقَى مِنَ الْأَجَلِ. كما جاء في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع).

إن الاعتقاد اليقيني بهذا الأمر له فوائد جَمَّة على حياة الإنسان وتوازنه النفسي والعملي، فهو ذو أثر عظيم على مواقفه ونشاطاته، وفي تقبُّله لما يكون عليه، وفي تعامله مع ما يُهَدَّدُ به حين يُهَدَّد بالقتل أو سوى ذلك، إن اعتقاد المَرء بأن الأجل ذاته هو الحِصن الذي يُحَصِّنه من الموت، يدفع عنه الخَوفَ، والهَلَعَ، والحِرصَ، والقَلَقَ، ويمنعه من الاستكانة، والمهانة، والذِّلَّة، والاستسلام، والخنوع، إيماناً منه بأن ذلك لا يُطيل أجله، ولا يدفع الموتَ عنه، وإن الشجاعة والبسالة، والإقدام، والجُرأة، وقول الحق، ومقارعة الباطل، لا تُقَصِّر عمره، فالأجَل المكتوب لا ينقص بهذه ولا يزيد بتلك.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha