ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ....

العُجُب آفةٌ نفسية خطيرة تنهى عنها الشريعة المقدَّسة

9:08 - December 21, 2022
رمز الخبر: 3489129
بيروت ـ إکنا: العُجُب آفةٌ نفسية خطيرة، وصفة أخلاقية مقيتة ومُنَفِّرة، ينكرها العقل السليم، ويأنفها الطَّبع الإنساني القَويم، ويُحذِّر منها علماء الأخلاق، وتنهى عنها الشريعة المقدَّسة، لما له من آثار سيئة وأضرار وخيمة على المَرْ

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "الإِعْجَابُ يَمْنَعُ الازْدِيادَ".

لا يُهلك إنسانية الإنسان شيء مثلما يُهلكه العُجب، ولا يمنعه من التطور والتَّرَقّي شيء مِثل العُجب، ولا يُفَوّت مصالحه ومنافعه مثلما يُفَوِّتُها العُجب، ولا يقطع روابطه مع الناس شيء مثل العجب، قال الإمام جعفر الصادق (ع): "مَنْ دَخَلَهُ العُجْبُ هَلَكَ". وقال والده الإمام محمد بن علي الباقر (ع): "ثَلاثٌ هُنَّ قاصِماتُ الظَّهْرِ: رَجُلٌ اسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ، وَنَسِيَ ذُنُوبَهُ، وَأُعْجِبَ بِرَأيِهِ"

والعُجْبُ أن يستعظم المَرءُ نَفسَه، ويفرح برأيه حَسَناً كان أو قَبيحاً، أو يَزهو بصِفَةٍ من صفاته البدنية أو الأخلاقية، أو بعمل من أعماله، أو بقوته، أو بعقله، أو ذكائه، أو ماله، أو نَسَبِه، أو عبادته، وغير ذلك من مظاهر العجب المختلفة، ويظن في نفسه استحقاق منزلة هو غير مُستَحقٍ لها، وينشأ ذلك من حُبِّ الذّات والأنانية، ويدل على ضِعَةٍ في النفس ومحدودية في التفكير.

والعُجُب آفةٌ نفسية خطيرة، وصفة أخلاقية مقيتة ومُنَفِّرة، ينكرها العقل السليم، ويأنفها الطَّبع الإنساني القَويم، ويُحذِّر منها علماء الأخلاق، وتنهى عنها الشريعة المقدَّسة، لما له من آثار سيئة وأضرار وخيمة على المَرْءِ، وأهمها أنه يُعْميه عن رؤية نقائصه وعيوبه ومساوئ أفعاله، والمَرءُ -خلا المعصوم- لا يَسلم من النقائص والعيوب، ولا يأمن الخطأ ومجانبة الصواب، إذ كُلُّ بني آدمَ خَطّاءٌ، وكلهم ساعٍ إلى الكمال، وكلما بلغَ درجة منه ظهر له مزيد من الدرجات لم يبلغها، إذ الكمال لا حد له، فمن أُعجِبَ بنفسه لن يهتم بتجميلها، ولا بترويضها وتربيتها، ولا معالجة نقائصها، الأمر الذي يدعه في غَفلة عمّا هو فيه، وفيه الكثير من النقائص، وفي غَمرة من الجهل، ولولا الجهل ما استبَدَّ به العُجبُ، فيتخلف عن سواه من الناس الذين يزدادون مع كل يوم في إيمانهم وأخلاقهم وعلومهم، ومعارفهم، ويطورون مهاراتهم. ومن لا يتطور فيما مَرَّ ذكره فتراجعه محتوم، وهذا معنى قول الإمام أمير المؤمنين (ع): "الإِعْجَابُ يَمْنَعُ الازْدِيادَ" أي يمنع زيادة الكمال وعلوّ المرتبة، لأنّ المعجب بنفسه يعتقد أنّه قد بلغ الكمال فلا يسعى في الازدياد، فإن لم يزدد تراجع، وقد يهوي إلى أسفل الدَّرَكات.

قال تعالى: "أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا..."﴿8/ فاطر﴾ هذا هو المبتلى بالعُجبِ، يرى السوء من صفاته وأفعاله حسَنَاً،  وهنا يكمن الشَّر  لأنه واثق من نفسه أنه لا يخطئ، متأكد أنه دائماً على صواب، لا مَوضِع فيه للنقصان، فلا يخطر على باله أن يراجع نفسه في شيء، ولا أن يحاسبها على أمر، ولا يُطيق أن يراجعه أحد، ولو كان ناصحاً شفيقاً.

وإذا ما استحكم العُجبُ في نفس المَرءِ ولم يبادر إلى علاجه فغالباً ما يؤدي به إلى التقليل من شأن غيره حتى ولو كان عالماً مشهود له بالعلم، أو تقياً مشهود له بالتقوى، كما يؤدي به إلى احتقار الناس، واحتقار آرائهم وأفكارهم واستصغار شأنهم، ويصده عن الاستفادة من علومهم ومعارفهم، ويمنعه حتى من استشارتهم فيما يَقدِرون على تقديم المشورة فيه، وفيما يحتاج فيه هو إلى الاستشارة، وقد يتَعَّمد مخالفتهم ولو كان الذي يشيرون به صائباً أو يقولونه حَقاً صريحاً.

والمُبْتَلى بالعُجب يُصَعِّرُ خَدَّه، ويختال في مَشيه، ويتكبَّر على الآخرين، ويتفاخر بما يقول ويفعل، وينسى ذنوبه وأخطاءه، ويتوقَّع رغم ذلك أفضل جزاء يُعطى للمحسنين، وأفضل مَدحٍ يُمدَحُ به الناجحون المُجِدُّون، وغالباً ما تراه متصدراً المَشهد، ومتقدماً الصفوف وهو ليس لذلك بأهل. 

وقد تطغى آفة العُجبُ في نفسه حتى توصلَه إلى حد استعظام نفسه بين يدي الله تعالى، مستكثرا طاعاته، غافلا عن سيئاته، ظاناً أن الذي أعطاه الله قليل، وأن على الله أن يُمَيِّزَه عن سواه من الناس، ويخصُّه بما يمنعه عنهم، فيخاصم الله، ويعاديه، وقد يجحده في آخر الطريق.

بقلم الکاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha