ایکنا

IQNA

جواهر علوية...

اليَقظة أولى محطات السير في منازل العبودية لله تعالى

10:11 - December 11, 2022
رمز الخبر: 3488969
بيروت ـ إکنا: اليَقظة أولى محطات السير في منازل العبودية لله تعالى، بل في منازل السير التكاملي الإنساني، فهي مفتاح الخير، والمصباح الذي يضيء قلبه الذي أظلم بسبب الغفلة والشرود.

و رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "اليَقْظَةُ نُورٌ"

اليقظة: انتباه القلب من غفلته، وقيامه من سُباته، واستشعاره عظيم ما فاته وخَسِره أثناء شروده ونسيانه، متوقعاً في كل حين أن يعاجله الموت وهو على غفلة، فيدفعه ذلك إلى الاستعداد للقاء ربه والعزم على طاعته واجتناب كل مانع يمنعه من ذلك، وتخطي كل مُعَوِّق يعيق حركته التكاملية.

واليَقظة أولى محطات السير في منازل العبودية لله تعالى، بل في منازل السير التكاملي الإنساني، فهي مفتاح الخير، والمصباح الذي يضيء قلبه الذي أظلم بسبب الغفلة والشرود، ويُنيرُ طريقه، وهي نَحوٌ من القيام بعد الرقاد، بل إن الغافل أسوأ حالاً من الراقد النائم، إذ النائم ليس مؤاخذاً على ما يكون منه، أما الغافل فهو مسؤول عما يكون منه حال غفلته، والنائم لا يتأتى منه أمر سلبي يضر بدنياه وآخرته، أما الغافل فلا تكون منه إلا أفعال وأحوال سلبية شديدة الخطورة عليه في دنياه وفي آخرته.

ثم إنه بحسب شِدَّة انتباه العبد ويقظته تكون عزيمته وإرادته، وبحسب قوة عزمه وإرادته يكون استعداده، وكلما قوي استعداده وإيمانه وتمكَّن نوره من قلبه استنار قلبه واشتدت يقظته، فوضح له طريق الهدى، وبانت له المحجة البيضاء، مُشَمِّرًا عن ساعد الجدِّ نحوَ المطالب العالية، فيأخذ أَوامِر الله تعالى بقوَّة وحزم، ويداوم على الاستِقامة، ملازما للرهبة من الله تعالى وتعظيم مقامه، تاركاً أحوال البطّالين والكُسالى، وإن "مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ". كما جاء في الحديث النبوي الشريف.

ولا شكَّ في أننا جميعاً قد نُبتلى بالغفلة في بعض الأحايين، ولعله في أكثرها عند معظمنا، فنحتاج بين الفَينَة والفَينَة لليقظة لنستعيد ذاتنا الغائبة، ونجدد إيماننا، ونرمم أخلاقنا، ونتحرر من أسر أهوائنا وغرائزنا، ونتجاوز أنانياتنا، وننشط من جديد في العمل الصالح الذي ينفعنا في دنيانا وآخرتنا.

يبقى أن نجيب على السؤال التالي: ما هي الوسائل التي توقظنا من غفلتنا؟

الجواب: إن لليقظة أسباباً كثيرة، بعضها مَرهون بإرادتنا واختيارنا لأنه ينبع من داخلنا، وبعضها الآخر يأتينا من خارجنا، وكلاهما من توفيق الله لنا ولطفه بنا.

الأول: التفكّر في آيات الله المبثوثة في الآفاق وفي الأنفس، ومشاهدة عظمتها وكثرتها وتنوعها، وملاحظة نِعم الله الظاهر والباطنة، قال تعالى: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿190﴾ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" ﴿191/ آل عمران﴾.

الثاني: التفكّر في وجودنا والغاية منه، وموقعنا في هذا الكون، ودورنا فيه، وواجبنا تجاه أنفسنا، وتجاه حياتنا، وتجاه آخرتنا.

الثالث: أن نراجع ما كان منا من أعمال طالحة، وأحوال سيئة، وإساءة وتقصير، وما جنينا به على أنفسنا، ثم الاستغفار والتوبة من ذلك والعزم على التغيير، والاجتهاد في استدراك ما فاتنا.

الرابع: الانتباه إلى قصر أعمارنا، وانقضائها مع كل نفس نتنفسه، فإنه خطواتنا إلى الموت. 

الخامس: مرافقة الصالحين العاملين والعمل معهم، ومشاركتهم حياتهم العامة، والمشاركة في المواسم العبادية العامة التي تعيدنا إلى حيث يجب أن نكون، وتشعل جذوة الإيمان في قلوبنا من جديد.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "السيد بلال وهبي"

أخبار ذات صلة
captcha