ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ....

الوقوع في الأضاليل لا يحدُثُ بقرار مُسبَق

9:51 - December 28, 2022
رمز الخبر: 3489228
بیروت ـ إکنا: الوقوع في الأضاليل لا يحدُثُ بقرار مُسبَق، معظم الذين وقعوا في الانحراف والضلال لم يقرروا ذلك، بل لعلهم كانوا في الجبهة المعارضة، لكنهم وقعوا فيه على غفلة من أمرهم.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "الأَباطيلُ مُوقِعَةٌ في الأَضاليلِ"

اللَّهوُ واللَّغوُ والثرثرة والمُزاح الكثير والكذب والخَوضُ بالباطل يوقع الإنسان في الضلال، هذه هي المعادلة التي يكشف عنها الإمام أمير المؤمنين (ع)، كلما خاض المَرء بالباطل ابتعد عن الصواب والحق والهدى، واقترب من الخطأ والباطل والضلال، ولا يزال كذلك حتى يتحوَّلَ من مُهتدٍ إلى ضالٍ، ومن مُحقٍ إلى مُبطل، وبدل أن يكون داعياً إلى الحق والإيمان يُصَيِّرُه خوضه في الباطل داعياً إلى الضلال والكفر والانحراف.

والتجربة هي البرهان على ما سبق، فكم من الأشخاص الذين ضَلُّوا بعد إيمان، وانحرفوا بعد استقامة، وعصوا بعد طاعة، وصاروا دعاة للأفكار الضالة والمُنحرفة والهَدّامة، وكان سبب تَحَوِّلهم خوضُهم في الباطل، وصحبتهم مع البطّالين والضالين المُضِلِّين، واللّاهين الثرثارين.

كم من أشخاص كانوا رواداً في مسيرة الحَقِّ والهدى فإذا بهم رواداً في مسيرة الباطل والجحود والإلحاد، خاضوا مع الخائضين ولم يتنبهوا إلى تأثير ذلك على إيمانهم، أو حسبوا أنهم في مأمن من التأثُّر بالآخرين فإذا بهم ينتقلون من جبهة الإيمان إلى جبهة الضَّلال يُشهِرون ألسنتهم للدفاع عن أفكارها وقِيمها، ويسخِّرون بقية حياتهم للدعوة إليها.

الوقوع في الأضاليل لا يحدُثُ بقرار مُسبَق، معظم الذين وقعوا في الانحراف والضلال لم يقرروا ذلك، بل لعلهم كانوا في الجبهة المعارضة، لكنهم وقعوا فيه على غفلة من أمرهم، ربما جالَسوا المُنحرفين والضّالين بقصد إصلاحهم وهدايتهم وإعادتهم إلى الجادة المستقيمة، ربما أنصتوا إلى بعض أباطيلهم رجاء التأثير بهم بعد بناء الثقة فيما بينهم، لكنهم تأثَّروا من حيث لم يحتسبوا.

كذلك لا يقع المَرء في الضلال، ولا يتبنى الأضاليل دفعة واحدة، الأمر لا يحدث كذلك، إنه يحدث خطوة بعد خطوة، يكفي في المرات الأولى أن يستمع، وقد يكون مُنكراً في قلبه لما يستمع، ثم إن استمَرَّ فذلك دليل على أن تلك الأباطيل وجدت لها مَوضِعاً من مشاعره وفكره، ثم يستمر فيصير حقاً ما كان يراه باطلاً، ومَعروفاً ما كان يراه مُنكَراَ، وحين يبلغ هذه المرحلة يصبح في الضَّفَّة المقابلة، ويصير مقاتلا شرساً في الجبهة المقابلة، لا يتوانى للحظة عن شَنِّ حملاته على جبهة الحق والإيمان، وبقسوة أشد من الذين انحاز إليهم وانخرط في صفوفهم.

لذلك نهى الله تعالى عن الخوض مع الخائضين، الذين يشترون لهو الحديث ليضلوا به الآخرين، وهو كل كلام يلهي القلب، ويأكل الوقت، ولا يُثمر خيراً، ولا يؤتي حصيلة تليق بالمؤمن، بل يقتنصه اقتناصاً، ويأخذه شيئاً فشيئاً بعيداً عن دينه وإيمانه، قال تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ"﴿6/ لقمان﴾. إنه يشتري لَهوَ الحديث، يشتريه بماله حين يرتاد أماكن اللهو والفجور والخلاعة والميوعة، ويشتريه بوقته والوقت أثمن ما يملكه، ويشتريه بحياته، وحياته لا تتكرر، إن ذهبت لن ترجع، يشتريه بتلك الأثمان الغالية، في لهو يحرفه عن الغاية التي خُلِق لها.

وقال تعالى: "وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ"﴿45/ المُدَّثِّر﴾ وهذا جواب أهل سَقَر المجرمين لأصحاب اليمين الذي يسألونهم عن سبب دخولهم النار فيقولون: كنا نخوض ونلعب، ونستهتر بعقيدتنا وإيماننا، ونأخذهما مأخذ الهزل واللعب والخوض بلا مبالاة  وتدبُّر.

وقال تعالى: "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"﴿68/ الأنعام﴾ فالذين يخوضون مع الخائضين هم هوامش الضلالة، و حالهم كالأصول و مصيرهم إلى جهنم جميعاً، والقعود معهم سكوتا دون نكير حرام، ومسايرتهم و التأثر بفعلتهم يؤدي إلى الكفر بلا ريب.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "السيد بلال وهبي"

أخبار ذات صلة
captcha