رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "إِنْ تَفَضَّلْتَ خُدِمْـتَ".
هذه معادلة يكشف عنها أمير المؤمنين (ع) تربط بين تَفَضُّل الشخص على الناس وخدمتهم وإعانتهم ومساندتهم وبين إقبال الناس عليه وخدمته ومقابلة إحسانه إليهم بالإحسان إليه.
والتفضُّل ابتداءُ الإحسان دون انتظار مقابل من المُتَفَضَّلِ عليه، وهو من الفَضْلِ، وأصله الزيادة في الشيء، سواءً كان محموداً أو مذموماً، واستعماله في المحمود أكثر، وما أجمل المرء الذي يتفضل على الناس بما وسَّع الله عليه من نِعَمٍ، وما وهبه من قدرات، يعطيهم في الله، ويعينهم في الله، ويساعدهم في الله، لا يرجو منهم مقابلاً، لا جزاءً ولا شكوراً، إنما يرجو ما عند الله، وما عند الله خير للأبرار، وإن الله ليعطيه فوق ما يحب ويرغب، ويوَسِّع عليه أكثر مما يطلب، وفوق ذلك يجعل له في قلوب الناس مَوَدّة وحُباً، ويُنطِق ألسنتهم بالثناء عليه والحمد له.
إن الحياة عطاء، أصلها عطاء من الله، هو الذي يتفضَّل علينا بالوجود، ويتفضَّلُ علينا بنِعَمٍ لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، ويدعونا أن نتمثَّله في تفَضُّلِه وعطائه، فنتفضَّل على الناس من فضله، ونشاركهم نِعَمَه علينا، حتى ولو بدر منهم سوء أو جحود، فإنه تعالى رغم ما يكون منا من جحود ونكران يتابع إنعامه علينا، خيره إلينا نازل وشرُّنا إليه صاعد ورغم ذلك لا يمنعنا فضله ونِعَمه.
قال تعالى: "وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"﴿22/ النور﴾ إن الآية الكريمة تدعو أهل الفَضل والسَّعة أن لا يحلفوا على عدم إعطاء الفقراء والمساكين والطبقات الاجتماعية التي ضاقت الدنيا عليها، وأن يعفوا ويصفحوا، ويعاملوهم كما يعاملهم الله. إن التفضل على الناس فضلا عن كونه ينشر المحبة بين أفراد المجتمع، ويمتن أواصر المودة بينهم، فإن له مردوداً على المتفضل ذاته.
كما يذكر أمير المؤمنين (ع) "إِنْ تَفَضَّلْتَ خُدِمْـتَ" أنت تتفضَّل فيقابلك الآخرون بالخدمة، والتفضُّل هنا لا يقتصر على مالٍ تعطيه أو خدمة تُسديها، بل يجاوز ذلك إلى فضلك الأخلاقي، فإن من التفضُّل أن تحترم العاملين معك، وأن تقَدِّر جهودهم، وأن تعترف لهم بالفضل، وتشكر لهم خدماتهم، وتحفزهم مادياً ومعنوياً، وتثني عليهم، وتتواضع لهم، وتبتسم في وجوههم، وتحمِلَ همومهم، وتخفِّفَ عنهم، وتواكبهم في حاجاتهم، وتساندهم نفسياً، وتطورهم معرفياً، بل أن تصفح عنهم صفحا جميلا إن بَدَرت منهم إساءة، أو حصل منهم خطأ غير متعمَّد، فكل ذلك فضل منك، وهم سيقابلونك بالأفضل، يخدمونك، ويسارعون إلى تنفيذ أوامرك، ويكونون على الدوام رهن إشارتك، ويعشقون العمل معك، ويفاخرون بالانتماء إليك وإلى مؤسستك، وإن تَفَضُّلك عليهم وتحفيزك لهم ينسيهم الوقت والجهد والتعب، بل يلتذون بجهودهم ومتاعبهم، ويرون في ذلك شرفاً وكرامة.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي