ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

على الإنسان أن يراقب كلامه جيداً

11:49 - March 31, 2023
رمز الخبر: 3490544
بيروت ـ إکنا: على الإنسان أن يراقب كلامه جيداً، أن يفَكِّر فيه طويلاً قبل أن يقوله، لأن ما ينتج عنه خطير جداً، وآثاره سواء كانت إيجابية أم سلبية تمتَدُّ طويلاً، ولذلك جاء في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "لِسَانُ الْعَاقِلِ وَرَاءَ قَلْبِهِ وَقَلْبُ الْأَحْمَقِ وَرَاءَ لِسَانِهِ".

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "إِنَّكُمْ مُؤاخَذُونَ بِأَقْوالِكُمْ فَلا تَقُولُوا إِلاّ خَيْراً".

ولا تقلل قارئي الكريم من قيمة وأهمية وأثر القول الذي تقوله وتخاطب الآخرين به، فإن له آثاراً خطيرة وجليلة في نفوسهم، فالكلمة التي تقولها لهم قد تكون بنّاءة تحييهم وتُسِرُّهم وتُشيع في نفوسهم الرِّضا والطمأنينة والانشراح، وتفرِّج كروبهم وتزيل همومهم، وترفع من معنوياتهم، وتفتح لهم الباب واسعاً على الأمل بالمستقبل، وتهديهم إلى التي هي أقوم، وتعلِّمهم ما لم يكونوا يعلمون، وتَعظهم، وتذكرهم، وتعيدهم إلى جادة الصواب، وقد تكون هدّامة تقتل أرواحهم، وتحزنهم، وتشيع في نفوسهم القلق والتوتر والكآبة، وتجلِب إليهم اليأس والقنوط، وقد تفتح لهم الباب واسعا على الانحراف والضلال، وقد تؤدي إلى اختلال علاقتهم بسواهم فتزرع في نفوسهم البغضاء والشحناء، وتحدِث الشقاق والفرقة، وسوى ذلك من الآثار الخطيرة.

إن القَول قد يكون روحاً تسري في النفوس، وقد يكون سيفاً يقَطِّعها، قد يزرع في القلب بذرة طيبة فيهفو إلى القائل ويبني معه علاقة وطيدة حميدة، وقد يزرع فيه بذرة خبيثة فيخبُث ويُعرِض ويبتعد، قد يكون القول هادياً مُرشداً، وقد يكون ضالاً مُضِلّا، قد يكون حقاً يهدي إلى الحق، وقد يكون باطلاً يردي في الباطل والانحراف.

لقد فرَّق الله بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة فقال: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴿24﴾ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿25﴾ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ"﴿26/ إبراهيم﴾.

فالكلمة الطيبة كشجرة طيبة ثابتة راسخة ممتدة الجذور باسقة الأغصان وارفة الظلال تؤتي ثماراً يانعة طيبة في كل وقت، فتحيي النفوس، وتهديها إلى الخير، وترشدها إلى الصواب، أما الكلمة الخبيثة فكالشجرة الخبيثة المرَّة التي تترك في النفوس مرارة وأحقادا وباطلاً وضلالاً.

بناء عليه فإن على الإنسان أن يراقب كلامه جيداً، أن يفَكِّر فيه طويلاً قبل أن يقوله، لأن ما ينتج عنه خطير جداً، وآثاره سواء كانت إيجابية أم سلبية تمتَدُّ طويلاً، ولذلك جاء في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "لِسَانُ الْعَاقِلِ وَرَاءَ قَلْبِهِ وَقَلْبُ الْأَحْمَقِ وَرَاءَ لِسَانِهِ".

وقال الشريف الرضي: وهذا من المعاني العجيبة الشريفة، والمراد به أن العاقل لا يطلق لسانه إلا بعد مشاورة الروية ومؤامرة الفكرة، والأحمق تسبق حذفات لسانه وفلتات كلامه مراجعة فكره ومماخضة رأيه، فكأن لسان العاقل تابع لقلبه و كأن قلب الأحمق تابع للسانه.

إن الإمام أمير المؤمنين (ع) يقول: "إِنَّكُمْ مُؤاخَذُونَ بِأَقْوالِكُمْ فَلا تَقُولُوا إِلاّ خَيْراً" فهو يكشف عن أن كل ما يتفوَّه به المرء محسوب عليه، ومحاسب به، خيراً كان أم شراً، ومعه فلا يجوز للعاقل أن يتساهل فيما يقول، فإن قوله لا يذهب سدى، بل يخلِّف آثاره في الآخرين أفراداً ومجتمعاً، ولا حاجة بي إلى الاسترسال في الحديث عن تلك الآثار الخطيرة، فما نسمعه كل يوم من تصريحات ومواقف تثير الحساسيات الطائفية والمذهبية، وتنبش من القواميس كل المفردات المقذعة المؤذية، وتؤَلِّب الناس على بعضهم، وتثير في نفوسهم الأحقاد، وتوتر حياتهم وعيشهم المشترك، كافية للوقوف على خطورة القول.

والله سبحانه يُحصي كلَّ ما يُقال ويُصَرَّح به، ويجازي عليه في الدنيا قبل الآخرة، قال تعالى: "إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴿17﴾ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"﴿18/ ق﴾ إن المَلَكَين يُسَجِّلان كل كلمة، ويُحصِيان كلَّ قَوْل يكون منا، يحصيانه عن اليمين وعن الشمال، الأمر الذي يعني أننا لا نستطيع إخفاءه ولو همسنا به همساً، وهو بعدُ مُسَجَّلٌ في سِجِلِّ حسابنا، ومَحصِيٌّ من الله الذي لا يَضيع عنده صغير ولا كبير، ولا فَتيلٌ ولا قِتْميرٌ.

بقلم الکاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha