ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

الشريعة الإسلامية تؤكد على ضرورة التركيز في العبادة

16:39 - March 20, 2023
رمز الخبر: 3490452
بيروت ـ إکنا: إن انشغالنا بمهامَّ عديدة يشتِّت تركيزنا ويُضعفه، ويُخَفِّضُ إنتاجيتنا، ويضرُّ بجودة أعمالنا، ولذلك نرى الشريعة الإسلامية تؤكد على ضرورة التركيز في العبادة والابتعاد عن كل ما يُشَتِّتُ الذهن ويصرفه عن الله تعالى.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "إِنَّ رَأْيَكَ لا يَتَّسِعُ لِكُلِّ شَيْءٍ فَفَرِّغْهُ لِلْمُهِمِّ".

من الأخطاء الفادحة أن تشغل بالك بحشد عظيم من القضايا تريد أن تخطط لها أو تنجزها، أو توجد لها حلولاً، فتضيع بين هذه وتلك، ولا تقدر على هذه ولا على تلك، وقد أثبتت الأبحاث العلمية أن العقل لا يمكنه أن يعمل على اتجاهات عديدة في آن معاً، بل يحتاج إلى التركيز على أمر واحد، فإذا فرغ منه عمل على الثاني والثالث وهكذا، ويمكنك قارئي الكريم أن تجرِّب الأمر بنفسك، وسترى النتيجة التي ذكرت لك.

إن من المعالم الأساسية للشخصية الناجحة ما يُعْرَف بالتركيز أو التمركز، أي أن تركِّز على أمر واحد لدراسته وفهمه ومعرفة خصائصه وأسبابه وشروطه وكيفية إنجازه، ومتى وأين، وكل ما يتصل به من ظروف وأحوال، في الوقت ذاته عليك أن تبتعد عن كل ما يُشَوِّش عليك أو يصرفك عن الموضوع الذي تفكر فيه إلى غيره، وفي هذا المجال يقول الباحثون في علم النفس: إن التركيز يتطلَّبُ شبكة من مناطق الدماغ بما فيها القشرة الأمامية المسؤولة عن مقاومة التشويش والسيطرة على دوافعنا الطبيعية لفعل شيء أكثر متعة، ويتطلب الحفاظ على أداء هذه الشبكة طاقة أكبر من مجموعة مناطق الدماغ التي تنشط عندما لا نفكر في شيء محدَّد وحتما، في وقت ما خلال اليوم، نشعر بالإنهاك وهنا يبدأ العقل في الشرود.

إن انشغالنا بمهامَّ عديدة يشتِّت تركيزنا ويُضعفه، ويُخَفِّضُ إنتاجيتنا، ويضرُّ بجودة أعمالنا، ولذلك نرى الشريعة الإسلامية تؤكد على ضرورة التركيز في العبادة والابتعاد عن كل ما يُشَتِّتُ الذهن ويصرفه عن الله تعالى، ففي الصلاة دعت الشريعة المصلي إلى التركيز على معاني ما يفعل ويقرأ ويذكر، ودعته إلى التركيز على موضع سجوده وهو واقف، والنظر إلى باطن كفيه وهو قانت، والنظر إلى موضع قدميه وهو راكع، كُلُّ ذلك يساعد على  حضور القلب وإبعاد اللهو والسهو عنه، كما نجد ذلك في الحثِّ على تركيز النظر إلى الكعبة المشرفة لمن يكن في المسجد الحرام المُطَهَّر. 

إذاً، كما أن القلب يجب أن يكون حاضراً في الصلاة، كي تعرُجَ به إلى مراتب القرب، كذلك العقل يجب أن يتركَّز على أمر واحدٍ كي يستطيع أن يفهمه، أو ينجزه بالطريقة المُثلى، وذلك يتطلب أن يتفرَّغ للأهم من الأمور، مراعياً ما له الأولوية، ولا يمكنه ذلك إلا إذا شخَّص أولوياته بدقة، وشرط ذلك أن تكون له أهداف واضحة، مع إلمام تام بما يحتاج إليه كل هدف من إجراءات وإمكانيات، وترقيم تلك الإجراءات والاهتمام بالإجراء الأهم أولا، ثمَّ ثانياً، ثم ثالثاً، فإن ذلك يساعد على تخفيف القلق والتشتُّت الذهني، ويساعد بلا شك على إنجاز الكثير بالتمام والكمال بخلاف ما يُتَوَهَّم. 

إن الشخص الذي يسعى إلى النجاح في جميع أعماله يجب أن يُفَرِّغَ اهتمامه وتفكيره للأهم من أموره، لأن النجاح لا يكون بغير ذلك، فكل هدف من أهدافه يحتاج إلى تفكير دقيق وصائب، ولا يكون ذلك إلا بالتركيز.

إما إذا شغل نفسه بأعمال كثيرة ولم يهتم بالأهم، ولم يرتب أولوياته، ولم يعطِ كل عمل وقته اللازم له، أو كان يمارس وظائف متعددة ومتناقضة أحيانا فمن المؤكَّد أنه لن ينجح في كل المهمات التي يقوم بها، وقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "مَنْ نَظَرَ إِلى مُتَفَاوِتٍ خَذَلَتْهُ الحِيْلَةُ" أي من اهتم بأمور كثيرة متفاوتة في الأهمية أو مختلفة في الوظيفة فلن يتمكن من فعلها وإنجازها، ولو بلغ ما بلغ من القدرات والإمكانيات والذكاء، لأن المسألة لا تتصل بقدرة الفاعل وذكائه وحسب، بل لها صلة بالموضوع الذي يعمل عليه، من حيث الوقت الذي يتطلبه، والإجراءات والإمكانيات، والظروف المحيطة.  

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha