ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "إِنَّ أَحْسَنَ الزَّيِّ ما خَلَطَكَ بِالنّاسِ، وَجَمَّلَكَ بَيْنَهُمْ، وَكَفَّ عَنْكَ أَلْسِنَتَهُمْ".
ما يهتَمُّ الإسلام بشيء كما يهتَمّ بكرامة الإنسان وحُرمته، ويرى أن حرمته أعظم من حرمة الكعبة المشرفة، وهي أقدس بقعة في الأرض في عقيدته، وإنه ليدفع عنها كل ما ينال منها ويسيء إليها، ويدعو المؤمن إلى الذود عن كرامته ولو اقتضى منه ذلك أن يُقتَلَ دونها، وقد فَوَّض له أن يفعل أيَّ شيء ولم يُفوِّض له أن يُذلَّ نفسه أو يهينها، وقد واكب ذلك بطائفة كبيرة من الأحكام الشرعية، والوصايا الأخلاقية، تهدف كلها إلى إجلاله وإعزازه، وفيها دعوة صريحة إلى اجتناب ما يُنَفِّر الناس منه، وما يكون سبباً لهوانه وذلته في أعينهم، وفيها دعوة إلى الاهتمام بمظهره والحِرص على أن يكون لائقاً زاهياً جميلاً دون خُيَلاء أو تكَبُّر أو استطالة على الناس.
وقال تعالى: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ..."﴿31/ الأعراف﴾ إنه تعالى يدعونا إلى أن نتزيَّن ونتجَمَّل عندما نبرز إلى الناس، أو نشاركهم في تجمّعاتهم ومنتدياتهم وشعائرهم، سواء كان التزيين للبدن باللباس الجميل الأنيق، وتصفيف الشعر، والتعطر، وتنظيف الأسنان، واجتناب الأطعمة التي تُخَلِّف روائح كريهة مُنفِّرة، أو كان زينة معنوية أخلاقية وذلك بالتَّحلِّي بالفضائل واجتناب الرذائل، ولا يكتفي القرآن بالدعوة إلى اتخاذ الزينة، بل يستنكر تحريمها، وهي التي أخرجها الله لعباده، فتحريم شيء أو تحليله لا يكون إلا لله الحكيم الخبير، ويُتبِعُ الاستنكار بتقرير أن الزينة من اللباس والطيبات من الرزق هي حق للذين آمنوا، ولئن كان الآخرون يشاركونهم فيها في الدنيا فهي خالصة لهم في الآخرة لا يُشاركهم فيها سواهم، قال تعالى: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"﴿32/ الأعراف﴾.
فالتزيُّن ليس حراما، بل مطلوب، ويكاد يكون واجباً، فأما الذي يحرِّمه الله فهو ارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم والبغي في الأرض بغير الحق، والشِّرك بالله الواحد الأحد، وأن يتعرَّى الإنسان من اللباس، فيظهر للناس مفاتِنَه وسوءاته، ليثير غرائز الناس وشهواتهم الكامنة والتي يشرئِبُّ عنقها عندما ترى ذلك، فتنتكس عن فطرتها السليمة الطاهرة، وتتقهقر من إنسانية سامية كرَّمها الله إلى بهيمية منحطة، وهنا يكمُنُ ما تقوم به دُورُ الأزياء ومُصَمِّموها، الذين يخرجون على الناس كل يوم بتصاميم مُخجلة، تروِّج لثقافة العُري والتَّحَلُّل الأخلاقي، ومن به خفَّة في عقله، وضعف في شخصيته، وخواء في فكره، وضعف في عقيدته ينساق وراء تلك التصاميم دون تدبُّر في عواقبها عليه وعلى مجتمعه.
وإذا فالدين لا يُحرِّم على الإنسان التزيُّن بل يحثه عليه، فقد جاء في الحديث النبوي الشريف: "إنّ اللَّهَ يُحِبُّ إذا خَرَجَ عَبدُهُ المؤمنُ إلى أخيهِ أن يَتَهَيَّأ لَهُ وأن يَتَجَمَّلَ" ولكنه يضع له معايير وضوابط تهدف إلى صون كرامته من جهة، وتجِّنبه والمجتمع الآثار السلبية التي تنتج التعرِّي والتهتك والسفور، فقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "إيّاكَ أن تَتَزَيَّنَ لِلنّاسِ وتُبارِزَ اللَّهَ بالمَعاصِي".
ومن بين تلك المعايير التي وضعها ما جاء في حديث الإمام (ع) الذي تصدَّر هذه المقالة: "إِنَّ أَحْسَنَ الزَّيِّ ما خَلَطَكَ بِالنّاسِ، وَجَمَّلَكَ بَيْنَهُمْ، وَكَفَّ عَنْكَ أَلْسِنَتَهُمْ".
فعلى المرء أن يراعي بزِيِّه أن يكون لائقاً يتقبله الناس، ويكفّ ألسنتهم عنه، ولذلك حرَّمت الشريعة ما يُسَمّى بلباس الشُّهرة، وهو الذي يستدعي التشهير بصاحبه والإعابة عليه.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "السيد بلال وهبي"