ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

العقوبة الإلهية ضرورية لاستقامة الانسان

18:32 - March 17, 2023
رمز الخبر: 3490423
بيروت ـ إکنا: العقوبة الإلهية ضرورية لاستقامة الانسان وسلامة أدائه ورغد عيشه، وليكون في الآخرة من أهل الجنة، إذ لو تُرِكَ على هواه يفعل ما يشاء لخَرَّب حياته وتجاوز كل الحدود الضرورية لانتظامها وانتظام حياة المجتمع أيضاً.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "إِنَّ اللّهَ تَعالى وَضَعَ الْعِقابَ عَلى مَعاصيهِ ذِيادَةً عَنْ نِقمَتِه".

في هذه الجوهرة الكريمة يجيب الإمام أمير المؤمنين (ع) عن واحد من التساؤلات التي نسمعها كثيراً، وهو: لماذا يعاقبنا الله؟ وكيف نتصوَّر صدور العقاب منه وهو الرحمن الرحيم، أليس الأجدى أن يرحَمَنا، وأين رحمته تعالى إن كان خلقنا ليعاقبنا وهو يعلم أن الذنب يكون منا، فقد خلقنا ضعفاء، وركَّب فينا شهوات وغرائز وأهواء، وهي تضغط علينا بقوة، وقد يصعُبُ علينا الصمود أمام طغيانها.

إن هذا السؤال تارة ينطلق من خلفية إيجابية، تريد أن تعرف الجواب وحسب، وتارة أخرى ينطلق من خلفية سلبية تريد أن تبرِّر للذنب في أقل التقدير، وقد تذهب إلى أن تنكر رحمة الله وحبَّه لخلقه، وقد تذهب أبعد حتى تصل إلى الجحود به سبحانه.

الإجابة على هذا السؤال يسيرة، إذ يمكن للمتسائل نفسه أن يجد جواباً على ذلك إن رام الجواب، فإنه يعلم يقيناً أنه مفطور على طلب النَّفع والفرار من الضُّرِّ، وهو نفسه يتعامل مع الآخرين إما بالترغيب والتحفيز، وهذا نفع وربح بلا ريب، أو بالتحذير والإنذار من العقوبة، ولعل المتسائل يدير شركة أو مؤسسة ولديه عمّال وموظفون، فإنه بلا شك قد وضع قانوناً يحكم عملهم، فإن رأى منهم التزاماً به مَدحهم وأثنى عليهم وحفزَّهم، ولربما رقّاهم في السُّلَّم الوظيفي، وهذا ما يطمحون إليه جميعاً، وإن رأى منهم تقصيراً أو أداءً سيِّئاً حذَّرهم، وله أن يعاقبهم وظيفياً، يفعل ذلك من حُبٍّ لهم وحِرصٍ على أدائهم، وحرص على انتظام العمل في مؤسسته، وقد يستغني عنهم إن وجد منهم إصراراً على المخالفة، وهنا يكونون هم من أوقعوا أنفسهم بالعقوبة، فالترغيب والتحفيز يدفعهم إلى مزيد من العمل والتفاني والإخلاص فيه، والإنذار يجَنِّبهم الإهمال والتسويف والعمل كيفما اتفق دون مراعاة للأصول والقواعد الضرورية، ويحمي المؤسسة من الفشل والخسران.

فالعقوبة الإلهية ضرورية لاستقامة الانسان وسلامة أدائه ورغد عيشه، وليكون في الآخرة من أهل الجنة، إذ لو تُرِكَ على هواه يفعل ما يشاء لخَرَّب حياته وتجاوز كل الحدود الضرورية لانتظامها وانتظام حياة المجتمع أيضاً، وهذا مراد الإمام أمير المؤمنين (ع) من قوله: "إِنَّ اللّهَ تَعالى وَضَعَ الْعِقابَ عَلى مَعاصيهِ ذِيادَةً عَنْ نِقمَتِه".

وهناك أمر آخر يجب أَلّا يغيب عن البال أبداً، وهو أن للذنوب والمعاصي والتجاوزات والتعديات آثار تكوينية طبيعية تلقائية، فكما أن الكلمة الطيبة تسرُّ سامعها، فإن الكلمة الخبيثة تُحزنه، وهكذا الأمر في العقاب فإنه أَثَرٌ تكويني للفعل ذاته، ولكي تتضح لك الصورة هاكَ المثل التالي: هَبْ أن سائقاً يقود سيارته بسرعة فائقة متخطياً السُّرعة المسموح بها، ففي الصورة الأولى يعاقَبُ السائق على السُّرعَة الزائدة بغرامة مالية يُحَدِّدها القانون، ولكن لو أَدَّت السُّرعَةُ إلى حادثٍ أدّى إلى بَتْرِ قَدَم السائق أو يَده أو شَلَلِه، ففي هذه الصورة يكون الشَّلَلُ هو العُقوبة ذاتها التي نتجَتَ عن السُّرعة الزائدة، فالعُقوبة هي الأَثَر والثَّمَرة.

وهكذا الحال في الذُّنوب، وما سُمِّيَت الذُّنوب بهذا الاسم إلا لأنها تجُرُّ آثارها خلفها كما يَجُرُّ الحيوان ذَنَبَه خَلفَه، فلكل ذَنْبٍ صغُرَ أم كَبُرَ أَثَرٌ تكويني، مادّيٌ ونفسي، فَردِيٌ واجتماعي، فالكَذب ذَنبٌ له أثر على الكذّاب من حيث اعتياده عليه، ومن حيث عدم وثوق الناس به، ومن حيث التداعيات الاجتماعية التي يُخَلِّفها في المجتمع، والنَّميمة ذَنبٌ له أثره على النَّمّام حيث يصير داعية فتنة بين الناس، وله أثَر اجتماعي حيثُ يحصل الشقاق والفراق والتنازع والاقتتال، وقد يقود إلى حربٍ لا تُبقي ولا تَذَر. وهكذا الحال في سائر الذُّنوب.

لهذا يذهب فريق من العلماء الأعلام إلى أن العقاب والثواب يوم القيامة ما هما إلا تَجَسُّدٌ لأفعال البَشَرِ في الدنيا، ويستشهدون على ذلك بجملة من الآيات القرآنية الكريمة والتي منها قوله تعالى: "...وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا"﴿49/ الكهف﴾.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha