ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

المال نِعمة، والنِّعمة يجب حِفظها، ولا يجوز التفريط بها

12:49 - March 24, 2023
رمز الخبر: 3490495
بيروت ـ إکنا: المال نِعمة، والنِّعمة يجب حِفظها، ولا يجوز التفريط بها، والمَرءُ مسؤول عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه كما جاء في الروايات الشريفة، إن كل ما سبق يُلزم المَرْءَ بالقَصد في الإنفاق من المال، سواء أنفقه على نفسه، أو على من يعول، أو على سواهم من الناس.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "إِنَّ مالَكَ لا يُغْني كُلَّ الْخَلْقَ فَاخْصُصْ بِه أَهْلَ الْحَقِّ".

وهَبْ أن ثراءك المالي كان كثراء قارون بل أكثر، بل هَبْ أنك كنت تملك عشرات التريليونات من العملات الصعبة، وكنت تنفق من هذا المال باستمرار فإنه سيقلّ شيئاً فشيئاً حتى لا يبقى منه شيء، فإن المال تُنقِصُه النفقة، وكل معدود ومحدود ينقص بالأخذ منه، فكيف يتصرف العاقل أمام هذه الحقيقة المحتومة؟

لاريب في أن المال واحد من الحاجات الأساسية لأي شخص، فبه يحصل على معظم حاجاته المادية ولا يمكنه الحصول عليها لنفسه أو لغيره إلا به، والعاقل الحصيف لا يهدر ما له هذه الأهمية كيفما كان، بل يُقَنِّن الإنفاق منه بقدر حاجته مجتنباً التبذير والإسراف، ومراعياً الإنفاق في الأهَمِّ على المُهِمّ، بعد ترتيب أولوياته.

وقد جاء عن الإمام موسى الكاظم (ع) أنه قال: "مَنْ اقتَصَدَ وقَنَعَ بَقِيَت علَيهِ النِّعمَةُ، ومَن بَذَّرَ وأسرَفَ زالَت عنهُ النِّعمَةُ". والاقتصاد يعني الإنفاق بقَدْر الضرورة، لايزيد عنها ولا يُنقِص.

والقناعة أن يرضى بذلك القدر من الإنفاق، وعن الإمام الرِّضا (ع) أنه قال: "استِعمالُ العَدلِ والإحسانِ مُؤْذِنٌ بِدَوامِ النِّعمَةِ" ولما كان العدل وضع الشيء في موضعه، وإعطاء كل ذي حَقٍّ حقه دون زيادة أو نقصان، فإنه يقضي أن يحفظ الرجل ماله ويتجنب تبذيره أو الإسراف منه.

والمال نِعمة، والنِّعمة يجب حِفظها، ولا يجوز التفريط بها، والمَرءُ مسؤول عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه كما جاء في الروايات الشريفة، إن كل ما سبق يُلزم المَرْءَ بالقَصد في الإنفاق من المال، سواء أنفقه على نفسه، أو على من يعول، أو على سواهم من الناس.

ثم إن الخلق لايُشبعهم الكثير من المال ولو بلغ من الكثرة ما بلغ، فإنهم نَهِمون، والقانع منهم قليل، كُلَّما نالوا منه شيئاً أرادوا المزيد فإذا حصلوا عليه اشرأبت نفوسهم إلى رقم أعلى، بل تطلعت إلى ما في أيدي سواهم من الناس، وإنهم ليشنّون الحروب ويدمرون الأوطان، ويقتلون البشر، ويعيثون الفساد في الأرض كلها لأجل الحصول على المزيد منه.

وعليه فليس من الحكمة ولا المصلحة إن كان المال موفوراً في يديك أن تعطي منه كيفما كان، أن تعطي المستحق وغير المستحق، والمحتاج وغير المحتاج، حتى كان لو هدية تعطيها، بل عليك أن تراعي في العطاء أهل الحق.

كما يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) سواء كان المراد بأهل الحق أولئك الذين يستحقونه لحاجتهم إليه، كالفقراء والمساكين والمحاويج الذين لا يجدون حيلة ولايهتدون سبيلاً إلى مثله، أو كان المراد بأهل الحق أولئك الذين ينفقونه فيما يَحِلُّ ولا ينفقونه فيما يحرُم، لأنك إن أعطيت من ينفق المال فيما يحرم وكنت تعلم ذلك فأنت مُعين له على الإثم، والإعانة على الإثم حرام، أو كان المراد بأهل الحق الذين يقابلون أهل الباطل والضلال والغواية والانحراف.

وقد جاء في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع): "مَنْ كَثُرَتْ نِعَمُ اللَّهِ علَيهِ كَثُرَتْ حَوائجُ النّاسِ إلَيهِ، فمَنْ قامَ للَّهِ فيها بِما يَجِبُ فيها عَرَّضَها لِلدَّوامِ والبَقاءِ، ومَنْ لَم يَقُمْ فيها بما يَجِبُ عَرَّضَها لِلزَّوالِ والفَناءِ" ففي هذا الحديث دعوة للمُنْعَمِ عليه أن ينفق ماله في المواضع التي يحبها الله ويرضاها، وأن يتجنَّب إنفاقه في غير تلك المواضع فإن ذلك من دواعي زواله وفنائه.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha