
الغِشُّ: هو أن يُظهِرَ الشَّخصُ الشَّيءَ على غير صورته الـحقيقيَّة، والغش كلمة مأخوذة من الغَشَشَ، وهو المَشرَب الكَدِر، وللكلمة ومن معانيه عدم النُّصح، والغِلُّ والحِقدُ، وخلط الرديء بالجيد، ويأتي بمعنى سواد القلب وعبوس الوجه.
وله حلاتٌ ثلاثٌ: الأولى: أن يُوهِمَ وجودَ صِفَة حَسَنَة في الشيء وهي غير موجودة، وذلك بإظهار جودة ما ليس بجيِّد، والثانية: أن يكتم وجود عيب أو نقصٍ في الشيء، والثالثة: أن يخلط الرديء بالجيِّد.
والغِشُّ من أسوأ الفِعال، وأقبح المعاصي، إذ يجمع الكثير منها، فهو يجمع الكذب، والبهتان، والزُّورَ، والخِداعَ، والمَكرَ، والاحتيال، والنَّصبَ، والتغرير بالآخر، وأكل المال بالباطل، إلى غير ذلك من القبائح، فهو ظُلُمات بعضها فوق بعض.
وهو مَذموم عقلاً، وتأباه النفوس السليمة المستقيمة، بل ينكره الغاشُّ نفسه وإن فعله طلباً لمزيد من الربح، أو اعتياداً عليه والعادة عَدُوٌّ مُتَمَلِّك.
ومَذموم شرعاً، والنصوص الدينية الناهية عنه والمُحَذِّرة من مخاطره كثيرة جداً، ولا يكون الغِشُّ من المؤمن، وإن كان منه فذلك دليل على مشكلة أكيدة وكبيرة في إيمانه، لأن الإيمانَ صِدقٌ ونصيحةٌ، والغش يدل على خبث النفس، وظلمة القلب، وقِلَّة الدين.
قال رسول الله (ص): "ليسَ في دِينِنا غِشٌّ". وجاء عن الإمام عليٍّ (ع): "المُؤمنُ لا يَغُشُّ أخاهُ، ولا يَخُونُهُ، ولا يَخذُلُهُ، ولا يَتَّهِمُهُ".
ولا عُذر لأحدٍ أن يَغُشَّ الناس، قَلَّ ذلك أم كَثُر، كما لا عُذر لأحد أن يكذب عليهم أو يخدعهم أو يمكُر بهم، وليس لأحد أن يبَرِّر له حتى ولو غَشَّه غيره. فلو اشترى بضاعة فظهر له أنها مغشوشة فليس له أن يغُشَّ غيره ببيعها له، بل يجب أن يصدق معه ويخبره عن عيوبها.
والغِشُّ بجميع أنواعه حرام، ويَصِمُ فاعله بصفة الغشَّاش، ويجعله منبوذاً في المجتمع، ولا تُقبَلُ له شهادة، لأن العلاقات الاجتماعية يجب أن تقوم على الطُّهر، والنَّقاء، والصفاء، والإخلاص، والوضوح، وحُبِّ الخير للآخرين، والنُّصحِ والوفاء لهم، والصدق معهم، فمن غَشَّهم فليس منهم، قال رسول الله (ص): "مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا".
وللغِشِّ أنواع وكلها خطيرة:
منها: غِشُ النفس: أن يغشَّ الإنسان نفسه فلا يصدق لها في النصيحة، ولا يقيمها على الدين، ولا يهذبها، ولا يزكيها بالهدى، ويحملها على المعصية فتكون عاقبتها الفسق والفجور والنار وغضب الله الجبار، وهو من أعظم أنواع الغِشّ رُوِيَ عن الإمام عَلِيٍّ (ع) أنه قال: "إنَّ أنصَحَ الناسِ لنفسِهِ أطوَعُهُم لِرَبِّهِ، وإنَّ أغَشَّهُم لنفسِهِ أعصاهُم لِرَبِّهِ". و*"مَن غَشَّ نَفسَهُ كانَ أغَشَّ لِغَيرِهِ".
ومنها: الغِشُّ في البيع والمعاملات التجارية، وما يكون من أصحاب المِهَنِ والحِرَف: وفي هذا المَيدان يمكنك قارئي الكريم أن تجد نماذج من الغِشِّ والغشَّاشين قد تعجز عن إحصائها وعدِّها، يستوي في ذلك الأفراد والشركات وحتى الدول.
ومنها: الغِشُّ في النَّصيحَة: وذلك بأن لا يصدق في نُصح المُستنصح، ولا يُخلِص له، ولا يوَجِّهُهُ التوجيه الصَّحيح، ولا ينهاه عن خطأ أو مُنكَرِ يراه منه، ولا يدعوه إلى خير أو عمل يفيده.
ومنها: الغِشُّ في الدِّين، ومظاهر هذا النوع من الغِشِّ عديدة كأن لا يُبَيِّن للناس الحق، أو يُفتيهم بما يتفق وأهوائهم وإن كان مخالفاً لأحكام الله، أو يحلِّلُ لهم الحرام، ويُحرِّم عليهم الحَلال، أو يختلق روايات وينسبها إلى النبي (ص) أو واحد من الأئمة الأطهار (ع)، أو يبتدع في الدين ما ليس منه ولا يتفق معه، أو يدعو إلى الغُلُوِّ. وهذا من أفظع أنواع الغِشِّ فقد جاء عن الإمام عَلِيٍّ (ع) أنه قال: "إنَّ أعظَمَ الخِيانَةِ خِيانَةُ الأُمَّةِ، وأفظَعَ الغِشِّ غِشُّ الأئمَّةِ" وللغِشِّ أنواع أخرى لا تحتمل هذه المقالة الموجزة ذكرها جميعاً.
بما تقدم تبين لنا معنى قول الإمام (ع): "شَرُّ النّاسِ مَنْ يَغُشُّ النّاس" وشَرُّه ليس على الذين يغشهم وحسب، بل على نفسه أيضاً، ويكفيه أن يعلم أن غِشَّهَ ينزع عنه بركة رزقه، ويجعله مبغوضاً عند الناس وعند الله تعالى.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي